الكمية أقرب إلى الجوهر وأشد توحداً به وأدل على المواصلة والتشبث والوحدة، وليس كذلك الكيفية بحسب الكثرة، مخالفاً لمقتضى الكيفية بحسب الوحدة، ألا ترى أن الكيفية تابعة لما ترى، أي الحس وأسبق عن الطبيعة؟ ألا ترى أن الكمية تابعة لما ترى، أي العقل ومتصل بالنفس؟
المقابسة السادسة عشر
في قولهم لم صار الإنسان إذا صور كلاماً
يريد تأييده بطبعه جبراً عليه؟
لم صار الإنسان إذا زور كلاماً لمجلس يحضره، وخصم يناظره، وصاحب يعاتبه، لا يمكنه أداؤه في حال ما يباشر المراد، وينحى على الغرض، ويتوخى غاية ما في النفس.
فقال: لأنه في الحال الثانية يصير أسيراً في يد ما قدمه وقومه، فهو يحتاج في تلك الحال إلى قوة حافظة، وقوة مؤدية، وربما خانتاه أو خانته إحداهما، وليس كذلك إذا ارتجل كلاماً، وافترع معنى، فإنه يكون مطلق العنان في ضروب التصرف، وأفانين التزويق، غير موقوف على شيء متقدم، ولا متق شيئاً متوقعاً يخاف فجأته، على خلاف تقديره في وهمه ووضعه في نفسه، بخلوص الحال وسلامة البال، يفضيان به إلى آخر ما في نفسه، لأن الواسطة الحائلة ساقطة، والحجب مخروقة، والأولية مغيبة، والوحدة مساعدة.
لا تسرع أيدك الله إلى الطعن والعيب في هذه المواضع التي نزل قليلاً، ولا يبلغ ظنك بها، فإن الجميع أخذ عن هؤلاء الجلة الأعلام