سمعت عيسى بن علي بن عيسى يقول: لما كان الحس يحتد بالنفس الغضبية حتى ترى لصاحبه تعدي محسوسه بالحياة كرجل يتعرض للسيف والحرب، والمقام الصعب، ليفشو ذكره، ويطير صيته، ويعلو شأنه، ويشار إليه بالإصابع، ويتحدث بحديثه في المجامع. لم يكن للعقل أن يشرق بالحق ويستنير بالخير، ويلتذ بالصدق، ويتملى بالصواب، وتستملي النفس عنه حقائق الموجودات، ويشرف به على عواقب المطلوبات والمقصودات، حتى يجد صاحبه تعدى معقوله بهذه الحياة المموهة الباطلة، لينال حياة تامة كاملة دائمة خالدة لا إثم فيها ولا تبعة ولا كدر ولا مشقة. هي حدة إلهية، ونهاية عقلية، وهيئة وجدية، وجال ليس عليها بيان موصوف، بلفظ مستور أو مكشوف.
وتكلم بهذا عند حديث رواه في الوقت بعض الحاضرين: زعم أنه رأى رجلاً قد ضربه السلطان بالسياط، بالجناية، وأنه كان يطاف به وهو عريان على جمل بين الأشهاد، فبلغ مكاناً وقف فيه الجمل لعارض، فدنا منه صبي وشاوره بشيء، فقام المضروب هذا على ظهر الجمل قائماً وبسط يده على حائط كان إلى جانبه ثم سمرها بيده الأخرى بخنجر وبقي معلقاً، وعبر الجمل وهو كذلك، فتعجب الناس من نفسه ومرارته ومن الأمر الذي هجم به على ذلك وزينه في عينه! فأفادنا بعقب هذا الحديث هذه الفائدة ومدارها على أن صاحب العقل الذي لحظ به الرتبة الكبرى، وأشرف به على الغاية