لا بأس أن يكون ذلك العطف على ما سبق من قول هذا الفيلسوف في هذه المقابسة في موضعنا هذا فيكون هذا قد أفدنا بمبلغ علمنا ووكلنا المستفيد منا في الزيادة منها إلى غيرنا، ممن قد رفع الله درجته علينا وجعله المحسن إلينا.
إعلم أن الحال التي قد وضعت الفرق بين النوم واليقظة، وهي التي يتحد الإنسان بقوة أحديهما فتشرح له أموراً قد سبقته بأعيانها وجواهرها وأعراضها، وأموراً هي مشهورة في الآن على ما هي عليه من حقائقها وزخارفها، وأموراً هي على الزماع في الثاني من أوقاتها وهذا الإنجلاء والشرح يستفادان من جهتين: إحداهما هي الهيئة الحاصلة للشخص في السنخ والأصل الذي يتفقان بالقسمة السماوية والقوى العلوية، والأخرى هي الهيئة الحاصلة للشخص في الفرع، والثاني بالروية النفسية والقوى الفكرية وهاتان الهيئتان إنما تختلفان في النظر الطبيعي، وإلا فالإتفاق واقع بالنظر العقلي والأول الآلهي، فعلى هذا لا فرق بين اليقظة والنوم ما دام الحكم يصدر من صاحبهما على اطلاع النفس وراحة الليل والفيض السابق، وهذه حال لها مناسب كثيرة إلى القوة والضعف والشدة واللين والعمود المنصوب، وبحسب ذلك يصح الإنذار ويصدق الزجر وتحق الكهانة، وإنما لم يتدافع الحال في هذا الموضع لأن النظر كان موصلاً بالأمور المجردة والمباحث الصافية والحقائق المثمرة للسكون والثقة، فأما ما اتصل بالتركيب فإن النفس تفعل قوتها وتبدع أصنافها وضروباً لا سبيل إلى رؤية شيء منها من القوة إلى الفعل لعسر الهيولى وعدم أعيانها، لأن الطبيعة لا تلهيها ولا تعطف عليها، وإنما تقف الطبيعة عنها لأن النفس لا تأذن لها في توليها ولا تلقي إليها أماثيلها ورسومها، والنفس في هذا تتشبه بالعقل فما لم تجد منه لم تحمد به وما أخذت عنه لا تحبسه عما يطلبه الجود وإن كان في الغاية والنهاية.
فإن قال قائل: الجود لا يعدم طوره، ولا يجوز طوقه، ولا يتطاول إلى ما ليس له. فقد تيسر الآن ما تراه من إيضاح ما قاله هذا الشيخ في تجويزه