للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه، وأسر ما تكون منه، فبدنك طبيعي فتهاون به، ونفسك عقيلة فتوفر عليها. احرص على أن تعلم جيداً، لا على أن تقول جيداً، وعلى أن تهوى خيراًن لا على أن تحب خيراً، وعلى أن تعمل بما ينبغي، لا على أن تدعي ما ينبغي. فيك درة الحق فلا تخدع عنها، ومعك رائد الشرف فلا تعيبه، وإليه رشدك فلا تفت نفسك ما لها ألهمك. ملكت مالا تستحق فأحسن سياسته حتى يستحقك. في التجارب مرآى النفس فاستكثر منها فإنها أنجع من كل دواء، وأبلغ من كل شفاء، إن احتميت دامت لك الصحة، وإن شرهت حالفك السقم، وأفضى بك إلى الندم. ما حمد المتواني عاقبة حاله، ولا ذم الرصد فرصة غب أمره. ارحم نفسك قبل أن تسترحم غيرك، فإنها إذا رحمتها أكرمتك، وإذا استرحمت غيرك لم يرحمك، فإن رحمك أهانك وأمتن عليك، فلا تنفك عن غصة تهون عليك الموت وتسوقك إلى العدم. كن عاقلاً حتى لا تغتر، وخبيراً حتى لا تغر، وفي الجملة كاملاً حتى لا تنقص، فإن قلت: أني لي بالكمال؟ فاعلم أن كمالك في نفي نقصك بما تعمره لا بما تزيله، لأن نقصك من جهة التركيب لا من جهة البساطة. لا تنم بين الإيقاظ، ولا تغفل عن الرقباء، ولا تدع عنها المكذبين، ولا ترجي ما لك اليوم إلى غد، فإن غداً ليس لكن فإن كان لك فإنه شاغلك عن يومك. ساء ما منتك نفسك أن تنال لذتك وتبلغ شهوتك ثم تدرك بعد هذا سعادتك؟ ليتك إذا دفنك التراب، وغسلك الماء، ولطفك الهواء، وأحرقك النار، وتقلبت بك الأستقصات، وعاد سفلك علوا، ودرنك نقاء، وظاهرك باطناً، وصرت مقبولاً بكل شكل، ومرقى إلى كل فضل، ومجلوا على كل عين، ومذكوراً بك لسان، ومتمني بكل قلب، ومعهوداً بكل إصبع، ومقدساً بكل مجد، ومدعي في كل زمان، وآوياً إلى كل مكان، وموجوداً في كل أوان، ومخبراً عنه بكل عيان، كنت أهلاً للبقاء والخلود والكرامة

<<  <   >  >>