منه بأوفر السهام، وعلى كل حال فاقصد مؤثر، والاجتهاد مثمر، والراية منصوبة، والطريق جدد، والشوق باعث، والنزاع متصل، والنداء عال، والاستجابة ممكنة، والتقرير أخذ الأهبة وتقديم العدة. فلعلك ترتقي بطهارة أخلاقك، وتهذيب سيرتك، وإصلاح حركاتك، وتمييز نومك من يقظتك، إلى معادن عزك، ومعدن فوزك، حيث لا حاجة ولا مذلة، ولا كثرة ولا قلة، حيث يكتنفك الغبطة والسرور، ويعمرك الروح والحبور، حيث لا تحتاج إلى ذكر، لأنه لا يعتريك نسيان، ولا تفزع إلى طبيب، لأنه لا يصيبك داء، ولا تتمنى شيئاً، لأنه لا يفوتك محبوب. ذاك محل لولاه ما اندفع الخطيب المصقع والعاقل المبين دهراً ودهراً لتنظيف بهجته وزينته، وشرفه وكرامته، ورفعته وسناه. ولم يلم بأدنى حقائقه، ولا بأخف ما يتشتت الوهم به، وإن أعانه بنو جنسه وفتحوا عليه أبواباً فوق أبوابه. وكيف لا تكون تلك الغاية نفيسة، وتلك النهاية عزيزة، وتلك العرصة مأنوسة، وتلك العقوة مقدسة، ولا شرع إلا وهو مشوق إليها، ولا عقل إلا وهو يحث عليها، ولا بال إلا وهو منوط بها، ولا لسان إلا وهو آثر عنه، ولا روح إلا وهو متعلق به طمعاً فيها، فكل ما دونها سراب وكل سعي دون تحصيلها تباب، وكل تجارة في غيرها خاسرة، وكل أمنية دونها خائبة. والله لو أن أحدنا حاول وصلة بينه وبين أحد يشرف بجده عنده، وعز يناله به، وراحة يتعجلها منه، بكل عزم وجد، وكل كذح وجهد، مع يقينه بزواله واضمحلاله، إذا نال وأدرك، كان غير ملوم في سعيه، ولا معذول عن غدوه ورواحه، ولا يهجن الرأي في ملتمسه؟ فكيف إذا قصر همه على طلب الزلفة في دار الخلود، ونزع إلى مواصلة من به وجد كل موجود؟ والسلام.