به، فيأخذ أصحابه وخاصته في أهبة ذلك وإعداد الآلة، فإذا تكامل ذلك له أصحر للصيد وتشوف له، وتطلبه في البيداء، وصمم على بعض ما يلوح له، وأمعن قبله، وركض خلفه جواده، وشدد في طلبه بداده، ونهى من معه أن يتبعه حتى إذا وغل في تلك الفجاج الخاوية، والمدارج المتنائية، وتباعد من متن الجادة، وواضح المحجة، صادف إنساناً فوقف عليه وحاوره وفاوضه، فوجده حصيفاً محصلاً، يتقد فهما، وينتقد إفهاماً، وقال له: أفيك خير؟ فقال: نعم، وهل الخير إلا في وعندي؟ وإلا معي؟ ألق إلى ما بدا لك وخلني وذلك؟ فقال له: إن الواقف عليك والمكلم لك، ملك هذا الإقليم، فلا ترع واهدأ ولا تقلق؟ فيكفر له عند سماع هذا ويقول: السعادة قيضتني لك، والجد أطلعك علي، فيقول له الملك: إني أريد أن أصطفيك لأرب في نفسي، وأبلغ بك إن بلغت ذلك لي، وأريد منك أن تكون عيناً على نفسك زكية، وصاحباً لي نصوحاً، فقم لي بذلك بجهدك ووسعك، واطو سري عن مسانح فؤادك فضلاً عما خلا ذلك. فإذا بلغ منه غاية الوثيقة والتوكيد ألقى إليه عجرته وبجرته، ويعثه على السعي والنصح وتحري الرضى، ووصاه بما أحب وأحكمه وأزاح علته في جميع ما يتعلق المراد به، ولا يتم إلا بحضوره. ثم ثنى عنان دابته إلى وجه عسكره وأوليائه ولحق بهم، وتعلل بقية النهار في قضاء وطره من صيده. ثم
عاد إلى سريره في داره، ومقره في ملكه. وليس عند أحد من رهطه وبطانته وغاشيته وحاشيته وخاصته وعامته، علم بما قد أسره إلى ذلك الكهل الصحراوي وبما حادثه فيه. والناس على سكناتهم وغفلاتهم حتى أصبحوا ذات يوم عن حادث عظيم، وأمر جسيم، وشأن هائل، وعارض محير. وكل عند ذلك تهول: ما أعجب هذا؟ من فعل هذا؟ متى تهيأ هذا؟ من ارتصد لهذا؟ من انتصب لهذا؟ وكيف تم هذا؟ هذا صاحب البريد وليس عنده منه أثر! وهذا صاحب المعونة وهو عن الخبرة به بمعزل! وهذا الوزير الأكبر