ناطق عادم لشرف الصورة، وكل حيوان ناطق واجد لشرف الصورة، إلا إن الناطق ناطقان: ناطق في الذروة، وناطق في الوسط، فالذي في الذروة الأجرام الناطقة الحية النيرة العلوية، والذي في الوسط الإنسان الذي قد حوى بحده معنى النطق، ويظهر منه هذا المعنى في الطرفين بالفطرة التي له، فإنه يحس ويعقل، والآخر بالرياضة المحمودة، والإلف الحسن، والاختيار الجيد، والقبول الدائم. ولما علت الأجرام الناطقة عن هذه المهابط التي انتصف فيها الإنسان استغنت عن الرياضة والتحديد والطلب والاجتهاد والاختيار، ولما سفلت الأجسام الأخر التي هي في آخر الأطراف لم يطمع لها في ثمرة النظر وعاقبة الرياضة ما يفيد الاختيار ويتوقع بالقبول. وكما حصل الإنسان دون الجوهر الناطقة، كذلك حصل سائر الحيوان الذي هو دونه، دون الإنسان، إلا إن خساسة ما تباعد عن الإنسان من أصناف الحيوان أشد وأبين، لأنها خساسة طينية لا طمع في رفعها، ولا رجاء في دفعها. فأما ما حازه الإنسان في مكانه الذي هو كالمنتصف من النواطق العالية النيرة الشريفة الدائمة الأبدية، وبين ما سفل عنه من سائر الحيوان فهو على شرف الطبع في صلاحه واستجابته وانقياده، حتى يجود اختياره، ويذكو ذهنه، ويطهر عقله، ويصير ما هو في قوته كامن بادياً، وما هو معجون في طينته ظاهراً، وحينئذ إذا بلغ هذا المبلغ علم أنه ناصح من ناحية الطبيعة، وأنه متى نزع يده من يد الغاش ووضعها في يد الناصح، وثبت نسبه إلى الشرف، واستقرت قدمه على الصراط، وأبصرت عينه كل ما غاب، ووثقت نفسه بالكرامة، وارتاحت إلى ما بين يديها من الغبطة، ونسيت أن هذا الإنسان في هذه المنزلة الصعبة والمنزلة المخوفة، ما قد لا ينجع فيه الدواء، ولا يسري إليه الشفاء، فيعطب للذي من أجله صرنا نتنادى بشاهد التنادي، ونتحارس في هذا العالم هذا التحارس، ونتواصى هذا التواصي، لئلا يخطف فجأة إلى مهوى البلاء ومعدن الشقاء قد والله لجيء إلينا بالنجاة،