فلما خرجنا من بين يديه قال لي النوشجاني: أراد أن إشكاله على شواهد الحس تدل على وضوحه عند شواهد العقل؛ لأنه تجتمع إيضاح العقل والحس في معاني الآله، وذلك إن الحس يدرك ذا الأشكال فيكون الشكل مدركاً له بوساطة ذي الشكل. والعقل قد يجرد الأشكال عن عوامها وموادها فيلحظها، ولكن يلحظها متميزة، فإذا علا اللحظ عن الأشكال كما علا عن ذوي الأشكال حينئذ يصير العقل والمعقول شيئاً واحداً، وينتفي كل شكل لاستيلاء الوحدة فيعتاض كل بيان لاستيلاء الخيرة. فعلى هذا معنى قوله إشكاله يدل على وضوحه في نفسه بحسب حقه الذي في ذاته.
وصفيت هذا المقدار بعد استفهام كثير ومراجعة شديدة، لأن الإشارة غامضة والإيماء خفي، على سعة المواد، وتوضح المقصد، وقرب المأخذ، وانكشاف الغطاء، واستتار المسلك. وإذا أراد الله تيسير عسير وتقريب بعيد فعل إنه ماجد وهاب.
وقال أيضاً: النفس تدبر أولى الألباب، والطبيعة أولى الغفلات، والفكر في مرآة النفس يريها خيرها وشرها. وظنه العاقل كهانة. وخدم الملوك خزان أرواحهم. وإشفاق الإنسان يجب أن يكون على فناء الزمان ومن أحب ِأن يبقى في عالم الحس سليماً من آفات الدهر فليغن عن عقله فقد مات، ومن أحب أن لا تجري عليه أحكام الفلك فليجد سقفاً غير هذا السقف.