الماء؛ ومدار الخير على النفس والبدن، على تصفية المعقول منه، لا على تسلط الحس عليه، ونقل التمثيل والتشبيه إليه؛ ألا تعلم أن الشيء على فنون، كالسياسة في السائس، وكالسائس في السياسة، وكالماء في الحب، وكالحب في البيت، وكالبيت في الفضاء؛ فقد يلحظ الجوهر على خلاف ما يلحظ في الجوهر، ويلحظ البسيط في المركب على شكل غير شكل المركب في البسيط ثم بين الذي قسطه من البسيط على قدر آخر فرق بالضعف والقوة، وهكذا الحال في المركب والتركيب، وبهذا الفرض الموهوم حصل بين الشبيهين فرق غامض لا يقف عليه إلا من توغل وتغلغل، وحصل بين المتباينين شبه خاف لا يسبق إليه إلا من تخلل وتوصل؛ ولهذا صار جل النظر والبحث، بل الغالب الغامر إنما هو في إيضاح الفرق بين متماثلين لشدة تماثلهما، وإيضاح الشبه بين متباينين لشدة تباينهما، فليكن هذا من دعائم العلم عندك حتى يخف عليك طلب ما أشكل واستيضاح ما غمض.
وقد سلف في حديث النفس ما فيه شفاء النفس، وسيمر فيما بقي من الكتاب أيضاً ما يكون نافياً لكثير من الشبه، ودافعاً للكثير من الاعتراض، وهذا اللهج في حديث النفس إنما هو لغلبة عشق البقاء الدائم والحياة الصافية من الكدر، وكيف ما نعتنا النفس وأنبأنا عنها فإنها بائنة الشكل والحال، والظاهر والباطن، والفعل والانفعال، والحقائق ولخصائص، عما عليه البدن. أعني إن قلنا: إن النفس في البدن على سعة، عرض الحلول في مواضعه، أو قلنا مصرفة الجسم على سعة، عرض التصريف في مواقفه، أو قلنا الجسم منفعل لها أو بها على سعة، عرض الانفعال. واختلاف معان لها وبها. فعلى جميع هذه الوجوه قد وضح أن شأنها غريب، وأن سرها عجيب، والنظر في أمرها واجب، واليسير مما يستفاد من حديثها كثير، وإني لأعجب ممن يظن أنها تابعة للمزاج، فهلا نامت عند نوم الإنسان؟ فإن المزاج قد جبل على النوم