فيحتاج معه إلى التدريج إليه، والتمرين عليه. خصوصية هذه الصناعة رياضة الأنفس الناطقة على تأدية الأفعال البشرية بصور مستصلحة لاكتساب الزلفى عند خالق البرية. لن يكفي أن تكون الغاية محدودة في نفسها موجودة بذاتها، بل يجب مع ذلك أن تكون متصورة عند القاصد لها على ما هي عليه، وأن تكون أيضاً متشوقة محبوبة عنده. يجب أن تتعرف من درك الغاية أهو من جملة النعم أم ليس هو من جملة النعم، وأنه إن كان من جملة النعم، أهو مما ينال بحسب الاتصال أم بحسب التعويض أم بحسب المثوبة.
هذا آخر التعليق عنه نضر الله وجهه، وقد كان قادراً على هذا الجنس من الكلام لطول ارتياضه به وكثرة فكره فيه؛ مع سيرة جميلة. ولقد ورد بغداد سنة أربع وستين وثلثمائة في صحبة ذي الكفايتين فلقى من أصحابنا البغداديين عنتاً شديداً ومناكدة، وذلك أن طباع أصحابنا معروفة بالحدة والتوقد على فاضل يرى من غير بلدهم، وذلك كله جالب للتنافس، مانع من التناصف، وهو خلق تابع لهواهم، وتراهم قد احتاجوا من أجل ذلك إلى علاج شديد ومقاومة طويلة، وقل من يتخلص إلى غاية هذا الباب لغلبة الطباع، وسوء العادة، وشرارة النفس. والحكمة على ألسنتهم أظهر منها على أفعالهم، ومطالبتهم بالواجب لهم أكثر من بذلهم الواجب عليهم، وهذا باب وإن كان فاشياً في جميع الناس فكأنه في أصحابنا أفشا وهو من جهتهم أعدى، وهو على ذلك لا يعشر واحداً منهم إذا برز في فن عشرة من غيرهم، وإذا كان الكمال عزيزاً في النوع كيف لا يكون عزيزاً في الواحد؟ نسأل الله خلقاً طاهراً، وعملاً صالحاً، وعلماً نافعاً.