العطب، وإن فاته وراء ذلك جميع ما هو داخل في باب الخير وموجود في ناحية الزيادة. ولعمري إن الاجتهاد حسن، وطلب الأقصى شجاعة. ولكن الغاية المتوخاة موهومة ولا سبيل إلى بلوغها، والذي يجب بذل الاستطاعة وقلة الرضى بالفتور ومصارفة الزمان بكل حال. وما أحسن ما يعمر بهذا المعنى بعض الموفقين حين قال: إنا نحرص على بلوغ الغاية لبعد السفر لأنه لا راحة دونها، ونشح على ساعات العمر لقصر المدة لأنه لا عمل بعدها. وهذا كلام عال، وينبغي أن يكون الحرص نقياً من الكد والاجتهاد، برياً من التعب المؤدي إلى العطب.
وقال آخر: إنما أنت لب في قشرة، فاحفظ لبك بصيانة قشرك، ولا تصن قشرك بإضاعة لبك، واعلم أنك ذو لب واحد وذو قشور كثيرة، وتنقيتك من قشورك صعب، وقيامك بلبك أصعب. والأمر الأمم الذي يجب أن يتمم هو أن تنقيتك قشراً بعد قشر حتى إذا وصلت إلى القشر الحافظ للب أشفقت عليه وسسته ليبقى لبك مصونا في قشرك، فإن من إيلتك لهذا القشر باب إلى التواء وجالب للفساد، وستنقشر عن ذلك في الثاني على حسب ما يهيئه من هو أولى بك وأقدر عليك وأنفذ حكماً فيك، وهو الذي نظمك وأنت بدد، وجمعك وأنت مفرق، ونظر لك وأنت مغيب، وأوجدك وأنت عدم، وأقدرك وأنت عاجز، وأهمك وأنت ساه، وأنبهك وأنت راقد، ولاطفك وأنت جاف، وألفك وأنت متناف، وقادك إلى حظك وأنت كاره، وأتاح لك الخير وأنت يائس. وأعلى يا هذا حظك وأنت كاره وعلى هذا نظائر لا تحصى، ولطائف لا تستقصى، فهل يبقى لك بعد هذا حجة أو متعلق؟!