الصفرة منفردة فجعلها بين الشقرة والخضرة، وقيل: ما بال الطعم منبعث من الشكل ضد، وكذلك في الألوان وليس كذلك في الأشكال لأنه لا ضد لها؟ فقال: إن الشكل واحد منه منبعث كل شيء، وهو المدور، والأشكال كلها مأخوذة منه لكثرة زواياه. وقيل: ما بال الشيء ذي الرائحة إذا لم يكن من حيز الغذاء؟ فيقال: إن الدهن وما أشبهه لا ينقسم إلى حنس إنما الجنس واحد والشهوة كلها تكون في ذلك الجنس، فلا يجذبه به جنس آخر إليه مثل التفاح، فإنه لا يجذبه إليه حسن الطعم مع حسن الرائحة، والشهوة لطعمه مما ينقص رائحته عنج الشم، وإذا كان الطعم وحده لا يجاذب حاسة أخرى كان أقوى له. قال: فأما أهل دهرنا فإنهم يخلطون قوة الطعم والرائحة يريدون بذلك اجتماع اللذتين، فإما إذا كان ذلك كذلك لم يكن الشام الذائق يجد ما يجده الذائق وحده، ولا الشام وحده. وقال: الرائحة الطيبة تصحح الأعضاء، كما أن الغذاء ينميها.
وقال: زعم بعض الأولين أن الجسد يكون مواتاً وهو بهيئة من الهيئات ومقدار من مقادير المزاج، ثم يكون حيواناً إذا تغيرت هيئته ومزاجه إلى بعض ضروب التغيير، وضرب مثلاً فقال: لم نر آلة قط من آلات الصناعات بعمل الآلهية سوى هيئة غيرها من الآلات، ورأينا هيأتها إذا فارقتها استحالت إلى غير ما كانت عليه، كقدوم النجارة ينحت قدوماً فإذا قلبت هيئتها إلى المنشار بطل النحت بها وحدث النشر بها، لأن ما في الحديدة المصنوعة قدوماً أو منشاراً أمر يبس أو لان، إذا زاد على مزاجها أو نقص لم تكن الحديدة بالحال التي تقطع بها، فلو أن يبسها أسرف لنقصت، وكذلك لو أسرف لينها لما مضت فيما تحمل عليه من الأبدان، فالمزاج الذي مزج بها طبيعة الحديدة كانت الحديدة ماهية، فإجتماع قدر المزاج والهيئة تكون الأعمال للعمل. وزعم أن الطبائع الأربع لما كانت بمقادير معتدلة في بدن الحيوان المهيأ بهذه الهيئة القابل للحس كان