ونحلهم وعاداتهم ومصارمتهم وتعاديهم وتظالمهم مع الإستطاعة الحاضرة، والتكليف العام، ومعرفة الأصلح والأفسد والأحسن والأقبح، يفنونن ويتبددون ويهلكون عن حال باقية بها يحسن المحسن ويثاب الخير فيعرف المتعني؟ هذا ما لا يجوز بجوازه عقل وإن قسر، ولا يلين له قياد وإن استميل، ولا يدنس به وهم وإن استكره، وإنما يتحرك عند هذا الظن من ضاق مجمه، وقل علمه، ونبا سماعه وفهمه، وفسد حسه ومزاجه، وجعل نفسه مصباً لكل ريح، ومغيضاً لكل سخف، ومجازاً لكل حافر فأما الناظر في أثناء الأمور، الواعي أحاديث الزمان، الفاحص عن السرائر، الطالب لظاهر الأحوال وباطنها، فإنه يربأ بنفسه عن هجنة هذا الرأي، وانحلال هذا العقد، ويشتمل على ما نطقت به الكتب القديمة، وتضمنت الأسفار الصحيحة، وأتت به الشرائع الصادقة، وبنيت عليه الأذهان الحديدة، وشهدت له الفطرة السليمة، ودعت إليه العقول الراجحة،؟ وهذا وإن تمادت في الأحداث الأغمار، وغلب على من لا خبرة له بما يأتي به الليل والنهار، فأما من له رغبة في حياطة دينه، وهمة في معرفة التغمض والواضح من نفسه وعالمه، وبحث عن الراشد والمصالح في الظاهر والباطن، ونظر في السياسة الآلهية والإنسية وخبر بالمورد والمصدر ليصير ذلك المتولد عليه، فقد حماه الله غائلة هذا الرأي، وكفاه مؤنة هذا الخطر، وجعله في الأعلين في حظيرة القدس وحضرة الأنس، حيث لا عبء ولا ثقل، ولا فراغ ولا شغل، ولا هجر ولا وصل، ولا ذنب ولا عذر.