علمت أنه إذا صادف من هذا بعينه وطينته، وعلى هذا ديدنه وإليه حنينه ونزوعه، وفيه غروبه وطلوعه، كان المعنى الذي انبني عليه الحد عنهما أبعد وهما عنه أنفر وأشرد، وأن ذلك الحد صدر عن فضاء العقول وعرصة الحق حيث لا نتزاحم الأشياء لا بالمشاكلة ولا بالمعتاندة، فلذلك ما كان حلواً في السمع مقبولاً، كريها عند العمل مهجوراً.
وهكذا حكم ما يوضع بالعقل ويحد به إذ كان لا يكمل ذلكإلا بالمباشرة الحسية الكلف البشرية والعادة الإنسية، ولكن الزماع والصبر والاجتهاد والاعتياد والرياضة والدربة والتسبب والتعود مطايا مبلغة أو مقدمة، وأسباب محققة أو مقومة، ولولا هذه الفضائل التي يسلك إليها هذا السبيل لما وجد أحد في صدره برد اليقين ولا طمأنينة الحق، ولا ظفر بسرور النفس ولا عرف روح العقل، ولا أحس بسكون الطباع، ولا طمع في إصابة المطلوب، ولكان اليأس أغلب من الرجاءن والقنوط أرسخ من الأمل، والعدم آنس من الوجد، وليس الأمر كذلك، بل النعمة سابغة، والدواعي محركة، والإستطاعة حاضرة، والعناية معرضة، والرجاء مطمع، والمراد مزمع والنداء عال، والنجاء متوال، والله موفق. وليس يبقى حاطك الله إلا الفسولة والكسل، وحب الهوينا والضجر، ومتى تدرج في نفي هذه الرذائل المكروهة والأرادات الذميمة، بالزهد في الدنيا، ورفض الشهوات، ومخلطة أقران الخير، ومجانبة خلطاء السوء، عاد البعيد قريباً، والعسير منقاداً، والممتنع مستجيباً، والعاصي طائعاً.
قيل له: إن الحد قد حوى هذا كله لأنه قيل: هو أنت إلا أ، هـ غيرك بالشخصن فبالموافقة يكون أحد الصديقين الآخر، وبالمخالفة يكون الشخص آخر.
فقال: ليس بجائز أن يكون في الحد تناقض، ومتى استجيز هذا جاء