يكون هذا الإنسان واحداً في الغاية طلبت له صورة الوحدة من الثلاثة. وهذه الصورة تلتئم من الثلاثة، واستحال أن يكون مركباً بالنفس الواحدة، أعني الناطقة، لأنها لا تقبل التركيب. ولهذا تجد الأجرام العلوية بواطن لأنها عادمة للمزاج والتركيب والشوق. فلما كان الإنسان متقوماً من جزء ناطق، وجزء حي، وجزء مائت، وكان بالناطق يفهم ويرتب ويهذب، وبالحي يحس ويتحرك ويسكن، وبالمائت ينتهي ويفسد ويبطل، كان جميع ما يحيط به عقلاً، أو يدركه حساً، أو يفرضه مدخولاً، ناقصاً متخفياً متلوماً. حتى إذا قوى الجزء الناطق الآلهي واقتنى خصائصه وملك ما هو اللائق به من العلم الحق والعمل الحق، حينئذ أهل الجزءين، أعني ما هو متحرك حساس وما هو ميت باطل، وإن شئت ما هو بهيمي وبه يسعى؟ خلص إلى أفقه العلي ومكانه البهي، خلوصاً يريحه من كل ما عاق التركيب والتقليب والإستحالة والإستبادة والعفاء والدثور، والصواب المتحلي، والجود المعتاد، والزهد المقدم، ورفض سائر ما عاند الفضائل وحجب عنها وحال دونها، فلا زال هناك باقيا بقاء لا آخر له. وكيف يكون له آخر وانقطاع وحيلولة وارتجاع، وقد استفاد ذلك البقاء من الحق الأول والموجود الذي ليس قبله موجود بالتشبيه والإقتداء والمماثلة والإهتداء والتعمم والإرتداء؟ هذا مالا يجوز أن يظن بحس أو بعقل. وأنت ترى في الشاهد ملكاً حكيماً صارماً شهماً سائساً جلداً يرغب كل أحد من خدمه وخاصته، ورعيته وأوليائه في خدمتهن وحضور مجلسه في التشبه به وبأخلاقه وهممه، طلباً للكرامة منه، والحظوة عنده، وعلماً بأن القرب منه والدنو إليه مصرفة للآفات عنه، مجلبة للعزلة، مدعاة للأماني عنده، وأن الأطماع تنقطع عنده، والجاه والقدرة يعظمان به، والعزة والمجد يسعان به عليه، وترى كل واحد من الخاصة والعامةيبذل وسعه، وينفد جهده، ويسأل عما يمكنه يمينه لينال تلك الحال، وتلك المنزلة، وتلك السعادة، وتلك الغبطة،