كان كفعل أحدنا فهو اختياري، وما خلا هذين فغير معقول، وما لا يعقل فغير مقبول؟
قال أبو سليمان: قد قال كبار الأوائل: إنه يفعل بنوع أشرف من الاختيار، وذلك النوع لا اسم له عندنا، لأنا إنما نعرف الأسماء التي قد عهدنا أعيانها أوشبها لها، والناس إذا عدموا شيئاً عدموا إسمه، لأن إسمه فرع عليه وعينه أصل له، وإذا ارتفع الأصل ارتفع الفرع. هذا ما لا دفاع له ولا امتناع منه. وخواص الخواص معدومة الأسماء، ونحن نحس بمعاني جمة وفوائد كثيرة، لا نستطيع صرفها عن أنفسنا، وقد التبست بها، وقرت في أفنائها، ومع ذلك إذا حاولنا أسماءها عجزنا، بل قد نعتاض من الأسماء الفائتة إشارات بصفات وتشبيهات تقوم لنا من بعد مقام الأسماء الفائتة، ولكن له أحياناً أعمال رديئة، وإبهامات عندنا فاسدة. ولكن ليس لنا في هذا توجه من الوجود جملة، فمن جملة ذلك هذا الذي نحن فيه؟ إنه قد صح البرهان أن فعل الله تقدس وعلا ليس باضطرار، لأن هذا نعت عاجز، ولا دافع لهذا القول. وليس باختيار أيضاً، لأن هذا نعت عاجز، ولا دافع لهذا القول. وليس باختيار أيضاً، لأن في الاختيار معنى قوياً من الانفعال، وهذا مسلم عند من ألف شيئاً من الفلسفة وشدا بعض علوم الأوائل. فلم يبق بعد هذا إلا إنه بنحو عال شريف يضيق عنه الاسم مشاراً إليه، والرسم مدلولاً به عليه. ولو قال لك رجل: لم خبرت عن الله بالتذكير دون التأنيث؟ لما كان عندك إلا أن تقول: هذا ما أقدر عليه، وليس عندي لما هو حقه في الخبر عنه إسم يحضر، وأكثر ما أمكنني أنني لم أنعت به الأنثى، وهذا لأن التذكير والتأنيث معنيان يوجدان فينا، وبهما أشبهنا سائر الحيوان، وهما منفيان عن الله تعالى من كل وجه وكل وهم. ثم قال بعد هذا الذي قدم من القول: والذي اختاره في هذا الجواب مع هذا التضييق الواقع قولنا: يفعل. لا يصح معناه في الباري تعالى البتة،