كل واحد منهم من قطر، وهم على خلق مختلفة، وهو يعظهم وينسبهم في خلال وعظه وكلامه، وحصلت عنه نكتة شريفة ذهبت مني في اليقظة وساءني ذلك. هذا وكنت أسرح تفكري كثيراً في الظفر بها والوقوع عليها، فلا يعود بطائل، فلما كان بعد دهر، وبعد اختلاف أحوال، ذكرت أنه قال: خذ يا إبراهيم ثمرة الفلسفة من هذه الكلمات الشافية التي هي خير لك من أهلك وولدك ومالك ورتبتك: اعلم أن اليقظة التي هي لنا بالحس هي النوم، والحلم الذي لنا بالفعل هو اليقظة، ولغلبة الحس علينا قد اتفقنا أن الأمر بخلاف هذا، وإلا فغلب العقل مكان الحس يتصدع لك الحق في هذا الحلم، فإذا وضح هذا فبالواجب أن ينبغي أن ينقص من الحس، وإن ظننا أن اليقظة من ناحيته، ويلتبس بالعقل وإن ظننا أن الحلم من ناحيته.
وكان أبو اسحق يقول: وهذه النكتة مقر وشيها، ولكن بقي أن تفهم منتفعاً بها، وتسمع على وجه التقبل لها، لا على معنى الاعتراض لها: الفلسفة هي لطائف العقل، فكل من لطف وصل إليها، ولطف الإنسان في طلبها هو تأتيه عند التفهم، وصبره عند الطلب، وشأنه على السيرة التي ندب إليها المشفقون الناصحون، فإن النفس تزكو عند ذلك، والصدر ينشرح، والخاطر يتوالى، فلا يبقى حينئذ باب إلا انفتح، ولا مشكل إلا وضح.