وتستعجله في حاجتها، وتحثه على قضاء اللذة والوطر منها؟ فأما مثال العقل فكأنه شيخ هم قاعد على بعد، ليس به نهضة للزحوف إليه والحيلولة بينه وبين ما نزل به من صاحبته الوقحة الفاضحة، إلا إنه مع ذلك يصيح ويتأوه وينادي بصوت يحرك رأسه ويبسط يده، ويعظ ويلطف، ويعد ويخوف، ويضمن ويرفق، ويشفق ويحنو، فأين تأثير هذا الشيخ الهم المحطم من تأثير هذه الخالبة الغالبة المحتالة المغتالة؟ هذا مع قلة إصغاء الشاب إلى الشيخ وسيلانه مع هذه.
وأراد بهذا المثل، الفرق بين العقل فيما يدعوك إليه لتسعد، والحس فيما يكلمك عليه لتشقى، هذا في جميع ما يزاوله ويحاوله ويهم به ويتوجه نحوه، فعلى هذا فإن الله تعالى وتقدس معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدل عليه عند الحس، لأنه يستحيل كثيراً ولا يثبت أصلاً، فمن استدل ترقى من الجزئيات، ومن دعى الاضطرار إنحدر من الكليات، وكلا الطرفين قد وضح بهذا الاعتبار، وكفى مؤنة الخبط والإكثار، وهكذا كل شيء يطلب أصله وفصله بالنظر الفلسفي، والبحث المنطقي، والاقتراء الإلهي، فأما ما ينظر منه في الجدال فلا يرث الإنسان منه إلا الشك والمرية، والحسبان والظنة، والاختلاف والفرقة، والحمية والعصبية، وهناك للهوى ولادة وحضانة، وللباطل استلاء وجولة، وللحيرة ركود وإقامة، أخذ الله بأيدينا وكفانا الهوى الذي يؤذينا، وصنع لنا بالذي هو أولى به منا والسلام.