للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنطقتين فتقوم الحروب وتفقد ميزتها كوسيط تجاري بين الجهتين فيتحول النشاط التجاري إلى شواطئ البحر الأحمر.

فقد انْصَبّ نشاط التدمريين على خدمة القوافل، يتولون قيادتها والإشراف على صيانة آبار الماء على الطرق التي تسلكها. كما أن تعرض القوافل أحيانًا للاعتداء والنهب من قبل قطاع الطرق واللصوص قد دفعهم إلى تأمين سلامتها من هذه الأخطار، وهكذا فإننا نجد في النقوش التدمرية القديمة ترديدًا لذكر "رئيس الخفر" الذي تسير القوافل في ظل سطوته، وقد بلغ من النفوذ ما يخوله أن يفعل ما يشاء ولا يلقى معارضًا، وكان إلى جانبه موظف آخر يسمى "رئيس السوق".

إن تاريخ تدمر خلال الألفين الثانية والأولى قبل الميلاد غامض، غير أن أقدم ذكر لها، باسمها المعروف الآن "تدمر"، قد ورد في نقشين كتابيين أولهما يعود إلى عام ١٨٠٠ ق. م، والثاني إلى عهد الملك الآشوري "تغلات فلاسر" الأول عام ١١٠٠ ق. م. ويختلف الباحثون حول منشأ هذا الاسم ويفرضون بعض الاحتمالات منها: أن لفظ "Palmyra" الذي عرفها به اليونان والرومان يعني النخيل في اللغة اللاتينية، فهي على هذا الاعتبار "مدينة النخيل" وكلمة "تدمر" تقابل في العبرانية كلمة "تامار" التي تعني التمر، وهو الأمر الذي حدا بأحد المؤرخين العبرانيين إلى الخلط بين "تدمر" وبين بلدة يهودية أخرى تسمى "تامار" في جنوب البحر الميت, فروى أن سليمان الحكيم هو الذي بناها؛ فانساق بعض المؤرخين المسلمين وراء هذا الخلط فرددوا أسطورة كون المدينة قد بنيت من قبل الجن بأمر من سليمان١، لاعتقادهم أن ما تشتمل عليه من روائع عمرانية هي فوق طاقة الإنسان٢. أما الساميون والكتاب الكلاسيكيون فقد عرفوها منذ أقدم العصور باسم "تادامورا Thadamora"


١ فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ١/ ٤٢٢؛ د. جواد علي: ٣/ ٧١-٧٥.
٢ وفي ديوان النابغة الذبياني قوله:
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن, إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد
احددها: امنعها، الفند: الخطأ، خيس: ذلل، الصفاح: الحجارة الكبيرة.

<<  <   >  >>