وإذا رجعنا إلى أخبار تدمر نرى أن أقدمها لا يعود إلى أبعد من القرن ٩ ق. م. وقد كشف العلماء عن نقوش مكتوبة بالآرامية واليونانية ثم باللاتينية والآرامية، وهي وبعض الكتب الكلاسيكية القديمة تعطينا فكرة نوعًا ما واضحة عن تاريخها، ويستدل منها أن عوامل عديدة قد تضافرت على نشوئها. وأهم هذه العوامل كون الفرس قد سيطروا على آسيا الغربية بأكملها بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، الأمر الذي أعان على توسع النشاط التجاري بين الشرق الأقصى وسورية وتركيا عبر العراق، وكانت تدمر المحطة الرئيسة، إذ كانت بمثابة العقدة المتوسطة في العمود الفقري لهذه المواصلات. وقد احتفظت بمكانتها حتى عهد السلوقيين الذين وحدوا بدورهم سورية والعراق وشجعوا طريق التجارة بينهما مرورًا بتدمر؛ لينافسوا بذلك غرماءهم البطالمة في مصر الذين كانوا يحرصون على ازدهار الطريق التجاري الذي يمر بالبحر الأحمر، فاستفادت تدمر استفادة عظيمة من هذه السياسة وانتعشت، بالرغم من أنها وقعت تحت نفوذهم على الأغلب، وبقيت كذلك حتى استيلاء الرومان على الشرق الأدنى.
غير أن تاريخ خضوعها للرومان لا يمكن تحديده على وجه الدقة. ويظهر أن ازدهارها وغناها قد أغراهم؛ فاستهدفت لحملة رومانية بقيادة "مرقس أنطونيوس" الذي كان عائدًا من حرب شنها على الفرس في الشرق، فأرسل سنة ٤١ ق. م. إلى أهل تدمر ينبئهم بأنه سيمر بمدينتهم للاستراحة، بينما كان يضمر الاستيلاء عليها. ففطنوا إلى المكيدة، وأخلوا مدينتهم من كل ما تحوي من أموال ومتاع ثمين، واستعدوا لقتاله وأحبطوا حملته، ولكن بعد أن أحدث بعض التخريب فيها١.
لكنها ربما تكون قد خضعت للرومان في الربع الأخير من القرن الأول للميلاد, بعد أن أخضع الرومان بلاد الشام لسيطرتهم وسيادتهم. وإذا استثنينا بعض الأحوال التي لجأ فيها الرومان إلى سياسة القسر والإخضاع، فإن العلاقات الودية قد ظلت سائدة بين روما وتدمر لمدة طويلة. ففي سنة ١٣٠م زارها الإمبراطور "هدريان" -وهو الذي بدأ عهده بعلاقات سلمية مع البارثيين- ولقبها بلقب "هادريانا بالميرا" ومنحها درجة "مستعمرة