رومانية عليا" فنال التدمريون حقوق الإيطاليين في الملكية المطلقة، وأُعفيت تجارتهم من الضرائب، ومنحت لهم حريتهم التامة في إدارة سياستهم.
وهكذا انتعشت تدمر اقتصاديًّا كما انتعشت سياسيًّا؛ ذلك أنها لم تخضع لروما إلا خضوعا اسميا وشكليا، إذ كانت في الواقع مستقلة في أمورها الداخلية، واحترم "هدريان" هذا الاستقلال الذي قامت على توطيد أركانه سلطة تنفيذية يرأسها شيخان وبجانبهما ديوان مؤلف من عشرة أعضاء، بالإضافة إلى مجلس شيوخ يتمتع بحق إصدار القوانين وتقرير الضرائب، فازدهرت واتسعت تجارتها وتضخمت ثروتها ونشط عمرانها، وعاشت بين سنة ١٣٠-١٧٠م أزهر أيامها١.
ومما زاد من أهمية تدمر السياسية أن تطورات مهمة قد حدثت في مملكة الفرس, ففي القرن الثالث الميلادي اغتصبت الأسرة الساسانية العرش من الأسرة البارثية، واتبعت سياسة العنف مع جيرانها، فتجددت الحروب بينها وبين الرومان. وكان الحكم آنئذٍ لأسرة وطنية عريقة يقوم على رأسها زعيم يسمى "أذينة بن خيران" الذي وصل إلى منصب عضو في مجلس الشيوخ الروماني وحمل لقب "سبتيم" فأحسنت هذه الأسرة الاستفادة من هذه الحروب والحصول على مركز مرموق عند الرومان. كما استغلت المشاكل الداخلية المختلفة التي كانت تحيط بالإمبراطورية، إذ تعرضت لغزوات الجرمن البرابرة التي كانت تهددها من الشمال، فأهملت شئون الشرق، فانصرف اهتمام حكام تدمر إلى تكوين جيش من المليشيا مؤلف من القبائل الموالية لهم، ومن العناصر التدمرية المسرحة من الجيش الروماني، أو التي اضطرتها حالة الفوضى إلى ترك الخدمة العسكرية، أو فرت من المعارك الناشبة بين الفرس والروم.
واعتنى حكامها بتسليح وتقوية جيشهم حتى أصبح في المستوى الذي يسمح لهم بأن يقوموا بدور سياسي وعسكري مهم في سياسة الشرق. وقد اضطلع به زعيم الأسرة أذينة الأول الذي نسبه الطبري إلى العرب العمالقة، قائلًا: إنه أذينة بين السميذع بن هوبر العملقي. فقد تقرب من القياصرة وأظهر لهم من التأييد ما أكسبه ودهم وعطفهم على أسرته، فمنحوه الألقاب والأوسمة والمال، كما أرضوا طموحه بمنحه درجة العضوية في مجلس