الشيوخ الروماني وكان لقبه الرسمي "رأس تدمر" غير أن طموحه لم يقف عند حد فأطلق على نفسه لقب "ملك". عندئذ أدرك الإمبراطور "إسكندر سيفيروس Alexandre Severus" ما يكمن وراء هذا التصرف من مخاطر تهدد الإمبراطورية في الشرق, بالإضافة لما أصبح لأسرته ولتدمر من نفوذ يوحي بطموحها للاستقلال التام عن روما، فأوعز إلى أعوانه بتدبير خطة لقتله، فاعتلى ابنه الأكبر سبتيموس خيران الحكم، لكن المنية سرعان ما أدركته ولم يزل ابنه معن صغير السن قاصرًا، فتولى الحكم عمه "أذينة الثاني" بن "أذينة الأول".
في هذه الفترة وقعت الحرب بين الرومان والفرس، وتقدم الملك "سابور" الفارسي نحو الغرب، فاجتاح ولاية أنطاكية، وأحرز الغلبة على الإمبراطور "فاليريان" وتمكن من أسره "٢٦٠م". ويظهر أن "أذينة الثاني" قد اغتنم هذه الفرصة للانتقام لوالده، لا سيما وأن فاليريان كان قبل أسره قد رفض طلبًا قدمه إليه أذينة بوجوب إنزال العقاب بقاتل والده، فأرسل إلى "سابور" رسلًا للتفاوض معه في سبيل العمل المشترك ضد الرومان في بلاده الشام، فلم يكن من الملك الفارسي إلا أن استخف بالرسل وبمن أرسلهم وأهانهم. عندئذٍ تحول "أذينة" إلى الرومان الذين بادروا إلى الاستنجاد به فخف لمساعدتهم، وحارب الفرس ليرد الإهانة التي وجهوها إليه وانتصر عليهم وتعقب ملكهم سابور حتى أبواب عاصمته طيسفون "المدائن" وألحق بمملكته خسائر فادحة، فأنعمت عليه روما بلقب قائد عام على جميع جيوش الشرق "Due romanorum"١ أو "Due Orientis". وفي هذه الحملة كادت العاصمة الفارسية أن تسقط في يديه، لولا أن بلغة خبر ثورة قام بها أحد قادة الرومان لاقتطاع آسيا الصغرى وسورية ومصر، فخف لقمع الثورة وقضى على القائمين بها، فأضافت إليه الدولة لقبًا جديدًا "إمبراطور على جميع أنحاء الشرق" مكافأة له على أعماله في نصرتها. لكن "أذينة" لم يكتفِ بهذه الألقاب بل اتخذ لنفسه لقب "ملك الملوك" وضرب النقود باسمه. فهل يستدل من تصرفه هذا أنه لم يقم بمساعدة الرومان إلا في سبيل تقوية مركزه، ونفوذ أسرته ودولته تمهيدًا لتحقيق مراميه السياسية؟ هذا هو الذي يغلب على الظن لأول وهلة، لكن فقدان الأدلة والأحداث التالية تقلل من هذا الظن.
١ د. جواد علي: ٣/ ٨٩ Rene'groussel: L'Empire du levant, p. ٢٦.