للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرجع الأخباريون أصل المناذرة إلى عرب الجنوب، وينسبونهم إلى كهلان قائلين: إن قبائل عربية عديدة قدمت من الجنوب إثر تهدم سد مأرب، وتجمعت حول البحرين، منها قبيلتا لخم وتنوخ من أزد عمان، ونزحت كل منهما، واحدة تلو الأخرى، إلى جهات جنوبي العراق، تلمسًا لأسباب الرزق في المناطق الخصبة التي كانت تغري البدو وتجذبهم إليها، شأنهما في ذلك شأن سائر القبائل العربية التي كانت تنزح إلى الشمال الخصيب في هجرات متعاقبة.

إن هذه الأقوال وإن تكن معقولة من حيث إمكان تجمع قبائل عربية في البحرين، ثم نزوحها إلى المناطق الشمالية، غير أنها لا تخلو من تناقض مع الحقائق التاريخية؛ ذلك أن سد مأرب لم يتهدم إلا في أواخر القرن السادس الميلادي، بينما يحدد الأخباريون نزوحهم إلى الهلال الخصيب، في وقت موافق للقرن الثالث الميلادي١. ثم إن الدراسات التي قام بها المؤرخون المحدثون قد دلت على أن لغة أهل الحيرة التي قامت فيها دولة المناذرة لم تكن على لهجة واحدة، بل هي خليط من لهجات فيها من الحميرية وفيها من العدنانية وفيها من الهجنة، كما فيها من الرطانة النبطية. وهذا ما دفع بعض المؤرخين المحدثين إلى القول بأنهم من عرب الشمال، بينما يتبين من الدراسات التي أشرت إليها أن الظن يتجه إلى كونهم قبائل عديدة فيها من القحطانية وفيها من العدنانية، شملتهم تسمية "تنوخ" لا قبيلة واحدة أصلها من الجنوب.

ولعل ما جاء في رواية للطبري عن كيفية هجرة العرب إلى الحيرة ما يؤيد هذا القول، إذ يبين أن قبائل عديدة منها قبائل معدية عدنانية كانت تسكن تهامة فحدثت بينهم حروب فتشتتوا "وأقبلت منهم قبائل نزلت البحرين، وبها جماعة من الأزد كانوا قد نزلوا فيها من زمن" ثم يعدد القبائل النازحة إلى البحرين، ومنها ما هو معدي ومنها ما هو يمني، ويختم روايته بقوله: "فاجتمع بالبحرين جماعة من قبائل العرب فتحالفوا على التنوّخ، وتعاقدوا على التآزر والتناصر، فصاروا يدًا على الناس، وضمهم اسم تنوخ"٢. والواقع أن هذا الاندماج يتفق مع ما ذكرناه سابقًا من إمكانية اندماج القبائل المتحالفة في اسم واحد تعرف جميعها به بمرور الزمن.


١ محمد مبروك نافع: المصدر نفسه، ص١١٥.
٢ د. جواد علي: ٤/ ١٨؛ الطبري: ٢/ ٣.

<<  <   >  >>