للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم يشكل هؤلاء وحدهم سكان الحيرة بل كان إلى جانبهم سكانها الأصليون ويطلق عليهم اسم "العباد" وهم حضر مستقرون يدينون بالمسيحية على المذهب النسطوري، بالإضافة إلى جماعة يسمون "الأحلاف" الذين لحقوا بالقبائل العربية التي نزحت إلى الحيرة، ولم يكونوا في الأصل لا من تنوخ ولا من العباد. كما كان في الحيرة جماعة من "النبط" وهم من بقايا قدماء العراقيين، وكان بعضهم يتكلم العربية برطانة ظاهرة، كما كان فيها جماعات من الفرس واليهود١.

ويظهر أن قبائل تنوخ قد قصدت الحيرة مغتنمة فرصة الضعف التي مرت بها الدولة الفارسية في مطلع القرن الثالث الميلادي؛ بسبب التنافس بين الأسرتين الفارسيتين: البارثية والساسانية٢، فتقدمت نحو الضفة الغربية من وادي الفرات الأسفل، وأقامت بيوتًا من الشعر في المكان المعروف باسم الحيرة؛ وهي في الغالب مدينة قديمة، قد يكون اسمها مشتقًّا من الكلمة السريانية "حرتا Harta" التي تعني المخيم أو المعسكر. وسرعان ما تحضرت هذه القبائل وعملت في حماية القوافل التجارية المارة بأراضيها، وأسهمت في العمل التجاري، وأقامت علاقات تجارية مع تدمر، بعد أن اعترفت الدولة البارثية، ومن بعدها الدولة الساسانية باستقلالها الذاتي مضطرتين إلى ذلك بسبب ضعفهما.

يختلف المؤرخون العرب القدامى فيمن هو مؤسس دولة المناذرة؛ فيذهب بعضهم إلى القول أنه نصر بن ربيعة بن لخم بن عدي من عرب الجنوب، بينما يروي ابن الكلبي أن أول ملك من ملوكها هو مالك بن فهم من تنوخ، ولما توفي ملك بعده أخوه عمرو بن فهم، وتلاه جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم. على أن الغالب لدى المؤرخين القدامى أن جذيمة هو أول ملوك الحيرة، ويتحدث الأخباريون عنه أنه كان به برص، فهابت العرب أن تكنيه به إعظامًا له فسمته "جذيمة الوضاح" أو "جذيمة الأبرش"، ويروون أنه اتخذ


١ د. جواد علي: ٤/ ١٤-١٦.
٢ الفتن الداخلية بدأت داخل الدولة البرثية منذ عام ١٩٧م تارة بين أفراد الأسرة الحاكمة وتارة أخرى بين الدولة وشعبها الذي كان يثير على ملوكها الشغب لضعفهم، إلى أن ثار الشعب الفارسي سنة ٢٢٤م بزعامة أردشير بن بابك من آل ساسان الذي تغلب على الدولة السابقة, وأسس عام ٢٢٦ عهد أسرة جديدة هي الأسرة الساسانية "راجع: تاريخ الدول الفارسية في العراق, بقلم علي ظريف الأعظمي، ص٢٦-٢٧".

<<  <   >  >>