أصبح الأكاسرة في الأيام الأخيرة لمملكة الحيرة قليلي الثقة بملوك المناذرة. والواقع أن أمر المناذرة قد تضعضع في أثناء الفتنة التي حدثت قبيل اغتصاب الحارث بن عمرو الكندي لعرش الحيرة، فاغتنم الفرس الفرصة لكي يحكموا قبضتهم في عنقهم، ومالوا إلى فرض حكمهم المباشر عليهم إلى أن اعتلى النعمان الثالث "أبو قابوس" العرش. كما شعروا بأن الحاجة إليهم لم تعد كما كانت بعد أن سُويت الأمور بين الفرس والروم إثر الهدنة التي عقدت بين الطرفين في منتصف القرن السادس الميلادي، وهو الزمن الذي قتل فيه المنذر الثالث بن ماء السماء اللخمي على يد الحارث بن أبي شمر الغساني، ولم تبقَ الحروب بين الغساسنة والمناذرة على الحدة نفسها التي كانت عليها من قبل، الأمر الذي كان من شأنه أن يدخل القلق إلى نفوس الفرس، فيجعلهم يتحسبون لما قد يلفت اهتمام المناذرة إلى تقوية دولتهم وتهديد السيطرة الفارسية، لا سيما وأن سياسة كل من الفرس والروم في ضرب الإمارتين إحداها بالأخرى، كانت ترمي إلى هدفين معًا: إضعافهما من جهة، وجعلهما مجنًّا تحتميان وراءه من جهة أخرى، وقد خفف قلق الفرس من ناحية الغساسنة كون العلاقات قد ساءت بين هؤلاء وبين حلفائهم الروم، وضعف شأنهم ولم يعد ثمة خطر يهدد الفرس من جانبهم. وخوف الفرس من المناذرة جعلهم يتخذون ضدهم تدابير شديدة منها ألا يقروا على إمارة الحيرة إلا من يثقون به.
في هذه الحقبة من الزمن، أي: التي امتدت ما بين النصف الأول من القرن السادس الميلادي وأواخره، ارتفع شأن أسرة من تميم بن مر قدم جدها الأكبر أيوب بن محروف من محل إقامته في اليمامة إلى الحيرة، وكان على النصرانية، فتقرب من الأكاسرة ومن ملوك الحيرة أيضًا، وأصبح عدد من أولاده وأحفاده واحدًا بعد الآخر كُتَّابًا في ديوان كسرى؛ لتضلعهم بالفارسية والعربية، وتولى أحدهم زيد بن حماد لدى كسرى مصلحة البريد التي كانت عند الفرس بمثابة دائرة استخبارات تستطلع له أخبار رعيته، وقد خدمت هذه العائلة الفرس وأخلصت لهم، وكانت العين الرقيبة لهم على أمراء الحيرة.
وقد وثق كسرى بزيد، حتى إنه قد ولاه مؤقتا ملك الحيرة، بعد وفاة ملكها النعمان النصري، كما يسميه صاحب