للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آل عمرو بن عدي إلى إياس بن قبيصة، فإن النعمان وأهل بيته واطئوا العرب، وأعلموهم توكفهم "توقعهم" خروج الملك عنا إليهم، وقد كانت وقعت إليهم في ذلك كتب، فقتلته ووليت الأمر أعرابيًّا لا يعقل من ذلك شيئًا"١.

والواقع الذي تؤيده مختلف أحداث تلك الفترة أن الفرس قد تهيبوا في المدة الأخيرة ملوك المناذرة، الذين يظهر أنهم نزعوا إلى الاستقلال عن الفرس مدفوعين إلى ذلك بعواطفهم العربية، لا سيما وأن كسرى قد لمس في تصرفات النعمان بعض ما يعزز ظنونه، إذ اتجه إلى توسيع نفوذه في شبه الجزيرة العربية، فامتد سلطانه إلى البحرين وجبل طيء، وكثرت لطائمه التي يرسلها إلى الحجاز، وتعددت مشاكله مع بعض القبائل بسببها ولأسباب أخرى، فاشتبك مع بني يربوع في يوم "طخفة" ومع بني عامر في يوم السلان "وسنتحدث عن ذلك في بحث أيام العرب" ومن جهة أخرى أصبح بلاطه موئلًا للشعراء العرب ولأدبائهم، والتفَّ حوله زعماء القبائل يحرصون على التقرب منه، ويتنافسون فيما بينهم للحصول على ثقته بهم. والنعمان نفسه قد تضايق على ما يظهر من تصرفات عدي بن زيد، وأسرته العريقة في عمالتها للفرس وتجسسها على ملوك الحيرة، الأمر الذي قد يكون في نظرنا السبب الأساسي لقتله بأمر من النعمان، بينما يبدو أن السبب الذي أورده الأخباريون عن قتل الملك لعدي، إنما هو من نوع رواياتهم التي تهتم بالأسباب العرضية المباشرة.

أما الرجل الذي ولاه الفرس على الحيرة فهو إياس بن قبيصة الطائي، وكان عميلًا لهم. لكنهم لم يلبثوا أن عزلوه إثر هزيمتهم في موقعة "ذي قار" التي كانت نتيجة للأحداث المتقدم ذكرها -كما سيأتي في بحث أيام العرب- وحكموا الحيرة حكما مباشرا. غير أن ثمة روايات تقول: إن إياس بن قبيصة كان على رأس إمارة الحيرة عندما اجتاحها العرب المسلمون فيما بعد٢.

وقد ذهب المناذرة إثر انتهاء حكمهم إلى جهات البحرين، حيث نجح أمير منهم هو المنذر الخامس المعروف بلقب "المغرور" في تأليف إمارة عربية مستقلة، غير أن من


١ أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، ص١٠٧-١١٠.
٢ د. جواد علي: ٤/ ١٠٤.

<<  <   >  >>