للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمختلف أنواعه من حرير وكتان وصوف. وكانوا يستعملون في تزيينه الوشي والتقصيب والتطريز بخيوط الذهب. وقد اشتهر عن ملوكهم أنهم كانوا يخلعون على الشعراء والمقربين أثوابًا تسمى بأثواب "الرضا" أو "المرفل" واحدها عبارة عن جبة، لها طوق من الذهب فيه قصيب من الزمرد. كما اشتهرت الحيرة بصنع الأسلحة من سيوف ذائعة الشهرة وسهام ورماح، وبصناعة الخزف والأواني الفخارية والتحف المعدنية والحلي والمجوهرات وعرفت الحيرة آنذاك بكونها أكبر مركز للهو في الشرق لكثرة ما فيها من حانات وملاهٍ.

أما الزراعة فلا المناذرة ولا الغساسنة أهملوها، بل كانت كل من أراضي الدولتين خصبة صالحة لها، تتوفر فيها المياه للنهوض بها. فقد استغل المناذرة المياه الجوفية القريبة من سطح الأرض لقرب الفرات منها، وعنوا بزراعة النخيل بخاصة، إذ كانت مزارعه تمتد من النجف حتى الفرات، مثلما استغل الغساسنة مياه حوران فعمروا القرى والضياع وعنوا بزراعة الحبوب في الدرجة الأولى.

وكما كان للمناذرة عمائر وأبنية ومدن كذلك كان منها للغساسنة. فقد عمرت السفوح الشرقية والجنوبية لحوران -على حد قول حمزة الأصفهاني- بعدد من القصور والكنائس والأبراج والأديرة والقناطر التي أقامها الغساسنة، وإنما لم يبق سوى أطلال القليل منها. لكن "نولدكه" يستبعد كل ذلك، ويرجع أن نشاطهم العمراني قد اقتصر على بناء الأديرة وقناطر المياه. ومن قصورهم المعروفة قصر المشتى، غير أن "كريزول"١ ينفي كونه من آثارهم، ويدلي بحجج غير كافية للإقناع، منها أنه لا يحتوي على أي رمز مسيحي، وأنه من الضخامة بحيث لم يكن باستطاعة الغساسنة القيام بنفقات بنيانه. ومن منشآتهم كنيسة في الرصافة تحمل كتابة ذكر فيها اسم المنذر بن الحارث "٥٦٨-٥٨٢م" مما يدل على أنه هو الذي بناها، وهي مبنية على الطراز السوري الصِّرْف، وتشبه قواعد أعمدتها قواعد أعمدة جبل سمعان. ومنها أيضا: برج حجري قرب قرية الضمير الحالية، وهو برج جانبي لبناء زال ولم يبق له من أثر، ومنزل في منحدرات حوران الشمالية جاء في نقش فيه أنه بني في عهد المنذر بن الحارث، والدير ذو البرج الموجود في قصر الحير


١ K. A. G. Greswell: Early Muslim Architecture, P. ١٣٩.

<<  <   >  >>