للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغربي وهو من بناء الحارث بن جبلة "٥٥٩م" ويمكن أن يكون البناء الموجود في قلعة عمان، وقلعة القسطل من بناء الغساسنة١.

أما المناذرة فقد ذكرت المصادر التاريخية ما كان من آثارهم العمرانية واهتمامهم بها، لا سيما القصور والأديرة والكنائس، غير أنها دَرَست، ومنها قصور الخورنق والسدير -ومن المحتمل أن يكون قصر السدير هو حصن الأخيضر المعروف الآن في العراق٢- وقصر الزوراء، وقصر سندار، والقصر الأبيض، وقصر مقاتل. أما الأديرة والكنائس فقد كانت كثيرة في الحيرة نظرًا لتنصر المناذرة، ومنها دير هند الكبرى ودير هند الصغرى. وقد تأثر المناذرة في فن عمائرهم بجيرانهم الفرس، لكنهم طوروا فيه، بحيث طبعوه بطابعهم الخاص. وكانت عمائرهم تحمل مسحة من الجمال تبدو في بياض حجارتها, حتى أنها قد سميت "الحيرة البيضاء".

وقد اشتغل أهل الحيرة بالتجارة، وتعاملوا مع الهند والصين والبحرين وعدن، ونقلت قوافلهم المواد التجارية إلى الحجاز وتدمر وحوران, فدَرَّت عليهم ثروات طائلة، ونعموا بحياة رافهة، واستعملوا أواني الفضة والذهب، ولبسوا فاخر الثياب.

وأما من حيث اللغة، فقد تكلم كل من المناذرة والغساسنة اللغة العربية الشمالية. واتخذ كل منهما الكتابة الآرامية "السريانية" في مراسلاتهما، وقد احتضنت كل من الإمارتين الشعراء والأدباء، وكان كل من البلاطين مقصدًا للشعراء الذين كانت الهبات والعطايا تغدق عليهم من قِبَلِ ملوك الدولتين. وكان للمناذرة الفضل في إغناء اللغة العربية بالألفاظ الفارسية، التي تعبر عن أشياء ليس لها ما يعبر عنها باللغة العربية.

وبينما اعتنق الغساسنة النصرانية على مذهب الطبيعة الواحدة، نرى أن المناذرة قد ثابروا في أول الأمر على وثنيتهم، ثم مال متأخروهم إلى اعتناق المسيحية على المذهب النسطوري الذي يقول بطبيعتي المسيح اللاهوتية والناسوتية ممتزجتينِ، وكان هو الآخر يخالف المذهب الرسمي للدولة البيزنطية، وقد تميزت الحيرة بكثرة البيع والكنائس التي بنيت فيها.


١ الدكتور نبيه عاقل: تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، ص١٦٥-١٦٦.
٢ راجع دائرة المعارف الإسلامية الحديثة - مادة الأخيضر.

<<  <   >  >>