وقد هاجرت جماعات منها، بعد الانحطاط الاقتصادي الذي أصاب اليمن؛ بسبب تأخر التجارة نتيجة للمنافسة الأجنبية والتدخل الأجنبي في شئون دولة حمير، أو بسبب نزاعات قبلية، إلى الشمال في منتصف القرن الثالث أو الرابع الميلادي، ونزلوا في أرض لمعد في موقع بنجد يسمى "بطن عاقل" على مسيرة يومين شرق مكة، سمي فيما بعد "غمر كندة" ويقع جنوب وادي الرمة بين مكة والبصرة، وسرعان ما اندمجوا بعرب الشمال وأصبحوا لا يختلفون عنهم، الأمر الذي حمل بعض المؤرخين إلى القول: إنهم من عرب العدنانية، بينما الأصح في نظرنا أن نأخذ بما روي عن كونهم من أصل يمني.
يقول المستشرق "نيكلسون": إن كندة كانت تتبع ملوك اليمن. وربما كان هذا القول مستندًا على ما ذكره المؤرخ العربي هشام بن الكلبي، من أنه كان لكندة علاقة قوية بملوك حمير التبابعة. ويظهر أن الحميريين قد استعانوا بآل كندة لتأمين سلامة القوافل التجارية التي تسير بين الشمال والجنوب. وتكاد كلمة المؤرخين تتفق على أن قبائل معد الشمالية كانت تابعة لملوك حمير الذين كان لهم إشراف عليها؛ نتيجة توسعهم في الشمال، ولذا فإن ملوك حمير، على رأي أغلب الأخباريين، هم الذين كانوا يعينون ملوك كندة، كما يروى عن تعيين حجر بن عمرو، الذي قيل: إنه أول ملوكهم، إذ كانت توليته موافقة للسياسة اليمنية؛ لأن عصبيته كانت يمنية، وكان من أسرة تولت الملك في بلادها الأصلية، كما كان قد مضى على استقرارها أكثر من قرن أو قرنين في الشمال فعرف اتجاه العصبيات القبلية، وفهم عقلية عرب الشمال. وهذا هو الذي يحمل على القول: إن الدولة لم تكن في الواقع سوى تحالف أو اتحاد يجمع عدة قبائل تخضع لرئيس واحد اتخذ لقب "ملك". ويبدو من الأخبار المروية عن بعض ملوكها، أنهم قد بسطوا نفوذهم على هذه القبائل سواء بالمحالفات أو بالمصاهرة أو بالقوة.
وقد جرت تولية حجر، بناء على طلب زعماء قبيلة بكر التي طغى سفهاؤها على عقلائها، وأكل قويها الضعفاء منها، فاختاره "حسان بن تبع" ملك اليمن لحكمهم؛ لأنه زعيم آل كندة، وكان ذا رأي راجح ووجاهة في قومه، وذلك في حوالي سنة ٤٨٠م١.
ومن الرواة من ذكر أن حجرًا كان أخًا لحسان بن تبَّع من أمه، فلما دوخ حسان