للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلاد العرب، وسار في الحجاز، وأخضع نجدًا وهم بالانصراف ولى أخاه حجرًا على معد، فدانوا له وسار فيهم أحسن سيرة. غير أن من المؤرخين من يذكر أن عدة ملوك حكموا قبل حجر، وأن مدد بعضهم في الحكم كانت طويلة، تتراوح بين ٢٠-٤٠ سنة١، لكن المعلومات عنهم قليلة جدًّا، ولا يُستطاع استنتاج مادة تاريخية منها.

وتذكر الأخبار أن حجرًا قام إثر توليه الملك بحملات توسع بها في أطراف نجد، إذ هاجم قبائل الحجاز وشمالي شبه الجزيرة العربية وجهات البحرين، بعد أن بسط سيطرته على أرض اليمامة في الشرق، وانتزع جانبًا من الأراضي التي كانت تحت سيطرة مناذرة الحيرة. وفي رواية أنه بينما كان في غزوة بجهات عُمان، استغل أحد أمراء الغساسنة فرصة غيابه عن بلاده، فأغار على أراضيه، وغنم أموالا كثيرة، وقينة من أحب قيانه إليه -أو في رواية أخرى: زوجته- وفيما هو منصرف قال للقينة: "ما ظنك بحجر؟ فقالت: لا أعرفه ينام إلا وعضو فيه يقظان, وليأتينك فاغرًا فاه كأنه بعير آكلٌ مرارًا ... " فلطمها الغساني، فما لبثوا أن لحقهم حجر كما وصفت، فرد الأموال والقينة٢. ويرجع الأخباريون سبب تسميته بلقب "آكل المرار" الذي غلب عليه لهذه المناسبة، بينما يذكر آخرون أن سببه تكشير كان به، يشبه تكشير الإبل إذا أكلت مرارًا فقلصت مشافرها، وغير ذلك من أسباب لا مجال لذكرها٣.

ولما توفي حجر طاعنا في السن خلفه ابنه عمرو الملقب بالمقصور؛ ربما لأنه اقتصر على ما تحت نفوذه من أراضٍ، ولم يستطع الوقوف أمام القبائل التي انشقت عنه، أو لأن ربيعة قصرته على ملك أبيه، الأمر الذي يدعو إلى الظن أنه لم يكن قويًّا صاحب عزم وإرادة. ويروى أنه عقد علاقات طيبة مع المناذرة، لا سيما وأنه زوج ابنته من الأسود بن المنذر الأول ملك الحيرة، فولدت له ابنه النعمان بن الأسود الذي ملك الحيرة بين ٤٤٩-٥٠٣م، كما كانت له علاقات وثيقة مع ملوك اليمن وحسنة مع مختلف القبائل، إذ كان


١ اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي, ١/ ١٧٧.
٢ د. جواد علي: ٢/ ٣٢٢.
٣ راجع عنها تاريخ اليعقوبي، ١/ ١٧٧.

<<  <   >  >>