فباعتبار أن المجتمع مجتمع نزاع دائم وغزو مستمرّ، فالشجاعة والمواهب من أولى الصفات التي يجب أن تتوفر في الرئيس؛ لكي يستطيع أن يحقق النصر تلو النصر لقبيلته.
ثم هنالك الثروة والكرم، فهما خلتان ضروريتان في بيئة فقيرة، إذ لا بد للرئيس أن يكون على شيء كثير من الغنى، يستطيع معه الإنفاق عن سعة على أتباعه في أوقات الشدة والمجاعات. ولا تستقيم الرئاسة والغنى مع البخل، وإلا تعرض الرئيس للهجاء والمذمة وربما فكر القوم بالاستغناء عنه، كما يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يُستغنَ عنه ويُذممُ
والحنكة السياسية لا بد منها للرئيس؛ ذلك أن رؤساء القبائل هم رجال السياسة في دنيا البادية. ففي محيط القبيلة يتحتم على الرئيس أن يحافظ على وحدة قبيلته وتماسكها، فيراعي مكانة وجهاء قبيلته ورؤساء بطونها، ويظهر لهم الاحترام، ولا يمس شعورهم بشيء يكرهونه، لا سيما إذا كان فيهم من تدفعه قوة شخصيته، ومقدرته العقلية، وشجاعته إلى منافسة الرئيس، والطموح إلى الحلول مكانه. وعليه أيضا أن يداري إخوته وذوي قرباه، فغلطة واحدة قد تؤدي إلى حدوث شقاق في القبيلة، فتتصدع وحدتها، وتحترب بطونها، فتنفرط وتتبعثر. ولعل المسايرة وتغابي الرئيس والتظاهر أحيانا بقلة الإدراك، فيتغاضى عن بعض الهفوات التي تصدر عمن يحيطون به، قد تكسبه احترامهم ومحبتهم، كما يقول الشاعر:
ليس الغبي بسيد في قومه ... لكن سيد قومه المتغابي
وفي علاقاته مع القبائل الأخرى يتوجب عليه أن يكون حكيمًا لبقًا بعيدَ النظر، فرب هفوة واحدة تصدر منه تثير حربًا تتطاحن فيها عدة قبائل، أو تسبب كارثة لقبيلته، أو للحلف الذي يتزعمه١.
ولعل الحلم من الصفات التي تجعل الرئيس موضوع تقديس أكثر من غيرها، في مجتمع فرضت ظروفه على الأفراد طبعا حادا ومزاجا عصبيا، سرعان ما يلجئهم إلى الاحتكام لحد السيف عند أقل إثارة، فتقوم المنازعات الدموية لأتفه الأسباب. إن في