للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أنه لا بد للقبيلة، ممثلةً بمجلس زعمائها، أن ترضى غالبًا بابن رئيسها الراحل، زعيمًا وشيخًا للقبيلة. يقول ابن خلدون: إنه من النادر أن تستمر رئاسة القبيلة في أكثر من أربعة آباء في العقب الواحد. ويعلل ذلك بأن الفضائل التي يتحلى بها الرئيس الأول، والتي تخوله السيادة والسيطرة، لا تلبث أن تنحل رويدا رويدا كلما تولى واحد من أعقابه المتتالين، إلى أن تضمحل تلك الفضائل في السيد الرابع، فتحتقر القبيلة شأنه، وتستبدل به سواه من تلك القبيلة١. غير أن ما يذكره ابن خلدون لا يمكن أن يعتبر قاعدة، فقد يأتي من أبناء وأحفاد الرئيس من هم أقدر وأجدر بالحكم من أبيهم أو جدهم.

وقد تمتد سلطة الرئيس إلى قبائل أخرى يجمعها تحت لوائه بالحلف أو الجوار؛ فتزداد قوته ويتسع نفوذه، وقد يكون العكس فتنقسم قبيلته بعد موته، فيتولى كل ولد من أولاده بطنًا من بطونها.

وللأحلاف التي انعقدت بين مختلف القبائل العربية قبل الإسلام أهميتها، من حيث كونها بداية تجمع، قد استُغل مرارًا لتشكيل عدد من الدول "دولة الحيرة، دولة كندة" ذلك أن القبائل العربية قد شعرت بضرر العزلة وخطورتها، وأدركت ألا سبيل إلى أن تحافظ قبيلة ما على كيانها إن بقيت في عزلة عن غيرها، بل هي بحاجة إلى التضافر والتناصر مع القبائل التي تمتُّ إليها بصلة النسب أو الجوار أو المصلحة المشتركة.


١ يقول ابن خلدون في مقدمته "ص ١٣٧": "إن كل شرف وحسب فعدمه سابق عليه شأن كل محدث, ثم إن نهايته في أربعة آباء، وذلك أن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه، وابنه من بعده مباشر لأبيه، فقد سمع منه ذلك، وأخذه عنه، إلا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاني له. ثم إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد، ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة, وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم، واحتقرها وتوهم أن ذلك البنيان لم يكتب بمعاناة ولا تكلف، وإنما هو أمر وجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم، ويتوهم أنه النسب فقط، فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته ويرى الفضل له عليهم.. فيحتقرهم, فينغصون عليه؛ ويديلون منه سواه من أهل ذلك المنبت..".

<<  <   >  >>