فأبدى البراض استعداده لذلك. وكان رجل من قيس عيلان يسمى "عروة بن عتبة الكلابي" المعروف باسم "الرحال" قد سمع بذلك، فجاء إلى النعمان وقال له:"أكلب خليع يجيزها لك؟ أنا أجيزها على أهل الشيح والقيصوم، من أهل تهامة ونجد".
ولما عهد النعمان باللطيمة إلى عروة، تبع البراض أثره حتى غافله وقتله غدرًا، فانهزم رجاله، واستاق البراض العير إلى خيبر، وبعث رسولا مستعجلا إلى كبير قريش حرب بن أمية يخبره بالأمر، وبالحذر من قيس. فنشر حرب بن أمية الخبر بين أشراف قريش، فاجتمع هؤلاء وتشاوروا في الأمر، واستعرضوا احتمال لجوء قيس إلى الأخذ بثأر قتيلها من كنانة. واتفق رأيهم على التفاوض مع عامر بن مالك سيد قيس بذلك، فأتوه وكلموه في الأمر، وبوجوب الاكتفاء بقتل القاتل، وأوشكت المفاوضات أن تنتهي إلى المصالحة.
وصدف حينئذٍ أن جماعة من قريش كانت في عكاظ، وحينما بلغها ما فعله البراض، خشيت أن تكون قبيلتهم كنانة في ضيق بسبب هذه الحادثة وما يسفر عنها من ذيول، فركبوا إلى مكة لنصرتهم، فاعتبرت قيس عيلان ذلك غدرا من كنانة لأن قريشا منها، وأقسم رئيسها عامر بن مالك ألا تنزل كنانة عكاظ أبدًا، وشمر الفريقان للحرب.
وقد جرت أول معركة في نخلة، إذ جدت قيس في اللحاق بجماعة قريش، حتى أدركتهم فيها، واقتتل الفريقان قتالًا هزمت فيه قريش وكنانة، والتجأت إلى الحرم، فكفت قيس عنها.
وجر عمل الخليع إلى وقوع جملة أيام أخرى، أدت إلى اضطراب الأمن في مواسم وفي أماكن حرم فيها القتال عند العرب، فحصل في العام التالي يوم "شمطة" الذي تجمعت فيه قريش وكنانة بأسرها، وعلى رأسهم حرب بن أمية ومعه عبد الله بن جدعان على الميمنة وهشام بن المغيرة على الميسرة. وقد لحق بقريش الأحابيش ومن تبعتهم من بني أسد بن خزيمة، لملاقاة سليم وهوازن من قيس، وكان على رأسهم مسعود بن معتب الثقفي، وفي بني عامر ملاعب الأسنة أبو برَّاء، وفي بني نصر وسعد وثقيف سبيع بن ربيع، وفي بني جشم الصِّمَّة والد دُرَيْد، وفي غطفان عوف بن أبي حارثة، وفي بني سليم عباس بن زغل، وفي فهم وعدوان كدام بن عمر.