وأما قبائل إياد فقد استوطنت تهامة، لكنها أجليت عنها إثر حرب وقعت بينها وبين ربيعة ومضر، وكانت هي الخاسرة فيها، فاضطرت إلى النزوح نحو البحرين حيث اختلطت بقضاعة. وفي أول حكم سابور الذي تولى ملك فارس وهو صبي حدث، انتقلت إياد مع كثير غيرها من القبائل العربية نحو الكوفة, وقد عاصرت هذه النقلة أيام حكم امرئ القيس بن عمرو على الحيرة، فلما شب سابور وتولى الحكم الفعلي في مملكته -بعد عهد وصاية عليه- خشي من مغبة وجود هذه القبائل في جنوب العراق، فنكل بأفرادها تنكيلًا شديدًا وشردها، وكان يخلع أكتاف من يقع في قبضته من زعمائها، فأطلق عليه لقب "ذي الأكتاف".
ويظهر أن وجود إياد قد استمر في العراق على نحو ما حتى حكم كسرى أنوشروان، في عهد المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وقد سخط عليهم كسرى بسبب إغارة منهم على نساء الفرس، فغزاهم ونكل بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة في مكان عرف باسم "دير الجماجم" لكثرة ما تكدس فيه من الجثث والجماجم، ثم نفاهم عن أراضي العراق. وقد التجأت بطون من إياد إلى أرض الروم والشام وتفرقت فيها، بعد أن مرت بالموصل وطردت منها١.
وبقيت ربيعة ومضر في جهات تهامة، إلى أن قامت الفتن والخلافات بين مختلف بطونها، فنزحت ربيعة إلى وسط شبه الجزيرة العربية "جهات نجد وغمر كندة" وما يلي ذلك شرقا حتى الخليج العربي. ومن أشهر قبائل ربيعة قبيلة عبد القيس التي نزلت في البحرين حيث كانت قبائل إياد قد سبقتها إليها، فجاءت عبد القيس وأجلتها واحتلت مكانها، واقتسمت البلاد بين بطونها، وقصد قسم منها عمان.
كما نزلت قبائل أخرى من ربيعة، كقبائل بكر بن وائل "ومنها الشاعر المعروف الحارث بن حلزة" وتغلب بن وائل "ومنها الشاعر المشهور عمرو بن كلثوم" وعنزة في ظواهر نجد والحجاز وتهامة، إلى أن وقعت الحرب فيما بينهم إثر مقتل كليب على يد جساس، فتفرقوا ونزلت قبائل من بكر في العراق والبحرين، وأخرى من تغلب في العراق وفي بادية الشام.