للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويختار الأدلاء من القبائل التي تمر القافلة في أراضيها؛ لأنهم أعلم بطرقها من غيرهم، وأكثر خبرة بمواطن الماء والكلأ، وأكثر علما بمكامن الخطر الذي قد تتعرض له القافلة، كوجود عوارض طبيعية، يمكن أن يتخذها اللصوص وقطاع الطرق كمائن للإغارة عليها.

كما يحرص المكيون أن يكون رؤساء القوافل وحراسها من الشجعان القادرين على تأمين حمايتها. ويعقدون الاتفاقات مع رؤساء القبائل التي تمر القوافل في أراضيهم، ويدفعون لهؤلاء الرؤساء إتاوات وهدايا كي يسمحو لها بالمرور, ويتعهدوا بحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق، حتى إذا تعرض للقافلة أحد من هؤلاء بسوء، كان من واجب الرئيس المتعاقد معه، والذي يقع الاعتداء في منطقته، أن يتعقب المعتدين ويؤدبهم، وأن يعيد الأشياء المنهوبة إلى أصحابها، وكان التجار يضيفون مبالغ هذه الإتاوات والهدايا إلى أسعار مبيع البضائع، الأمر الذي يجعلها غالية الثمن.

وكثيرا ما كان أصحاب البضائع يلجئون إلى الوسائل المعنوية لحماية تجارتهم، مثل تقديم الهدايا والقرابين للآلهة عند مغادرة قوافلهم أو عند عودتها، وقد اتخذ بعض الأقوام كالأنباط والتدمريين إلهًا خاصًّا لحماية القوافل: "ذو الشرى" عند الأنباط و"ساعي القوم" أي حامي القوافل عند التدمريين.

ويعقد القائمون على الحكم العهود والمواثيق مع رؤساء وحكام الدول المحيطة بهم، التي تقصدها قوافلهم، وهي التي تخولهم حق المرور في أراضيهم والاتجار فيها، وتوفير الأمان لها وحسن الجوار. وهذا هو الإيلاف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ, رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْف} ١، أشبه شيء بالاتفاقات التجارية التي تعقد بين الدول في أيامنا الحاضرة، ووفقا لهذه العهود يتاح للتجار القرشيين التنقل في البلاد التي تعقد معها دون أن يعترضهم أحد، كما يتاح لأي دولة منها إذا شاءت أن تراقب الوافدين إليها. فالقوافل العربية التي كانت تقصد الشام كانت تتسوق من أسواق عينتها الحكومة البيزنطية لتحصِّل منها الضرائب، ولتراقب الوافدين الأجانب إلى بلادها٢.


١ قريش: ١-٢.
٢ أحمد إبراهيم الشريف: المصد نفسه، ص٢٠٧.

<<  <   >  >>