للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اعتمد الروم البيزنطيون على تجارة مكة في كثير من شئونهم ووسائل ترفهم، لا سيما الحصول على الأقمشة الحريرية المزركشة الموشاة، ولم يكن بوسعهم الاستغناء عما يأتونهم به. وقد ذكر بعض مؤرخي الغرب أنه كان للبيزنطيين بيوت تجارية في مكة، يستخدمونها للشئون التجارية وللتجسس على أحوال العرب١.

وتقاسم بنو عبد مناف النشاط التجاري في مختلف البلدان المجاورة، فكان هاشم الذي يروى أنه قد حصل على عهد أمان من القيصر البيزنطي لتجار مكة، يذهب إلى الشام، وعبد شمس الذي حصل على عهد مماثل إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، وكل منهما حصل على عهد "إيلاف" من كل من ملكي اليمن وفارس٢.

وقد نشطت التجارة في عهد عبد المطلب بن هاشم، وازدهرت مكة وأصبحت مركزًا للصيرفة، كما يقول المستشرق "أوليري" ويمكن أن يدفع فيها التجار أثمان السلع التي يُتَّجر بها مع بلاد بعيدة، وكانت عمليات الشحن والتفريغ للتجارة الدولية تتم في مكة، ويجري فيها التأمين على التجارة عند نقلها من مكة إلى مختلف الجهات عبر طرق محفوفة بالمخاطر٣. وقامت طبقة من الصيارفة، يؤمنون للتجار عملات الدول الأجنبية التي يتعامل معها القرشيون.

ومثلما كان لبيزنطة وفارس، وربما للحبشة أيضا، ممثلون تجاريون في قلب مكة، كان لمكة أيضا وكلاء تجاريون في أماكن مختلفة مثل غزة والشام ونجران. كما كان يأتي إلى مكة تجار أجانب من روم وفرس وغيرهم سكنوا فيها، وخالطوا أهلها وتحالفوا مع أثريائها، وأقام بعضهم فيها لقاء جزية سنوية يدفعونها لهم؛ لتأمين حمايتهم ولحفظ أموالهم وتجارتهم، وقد اتخذ بعض التجار الأجانب مستودعات فيها لخزن بضائعهم التي يأتون بها كالقمح والزيت والزيتون والخمور٤.


١ O'Leary: Arabia before Muhammad ,P , ١٨٤.
٢ أبو علي القالي: الأمالي ٣/ ١٩٩؛ سعيد الأفغاني: أسواق العرب، ص١٥٥-١٥٦.
٣ O'leary: Ibid. P. ١٨٢.
أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص٢١٢.
٤ جواد علي: ٤/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>