للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصرحاء، ويسمى هؤلاء بالخلعاء "مفردها: خليع ويطلق عليه أيضًا اسم لعين". والخلع في المجتمع القبلي شبيه بإسقاط الجنسية عن المواطن في عصرنا الحاضر, ويجري الخلع لأسباب:

١- إذا قتل فرد ما شخصًا آخر من قبيلته، ورفض ذوو المقتول قبول الدية؛ عندئذ تصبح القبيلة بشخص زعيمها، مضطرة لقتل القاتل، أو خلعه حفاظًا على وحدة القبيلة.

٢- لما كانت القبيلة مسئولة عن أعمال أفرادها، تضطر أحيانا إلى خلع من يسيء منهم إليها، بكثرة اعتدائه وجرائره ضد القبائل الأخرى، التي تحملها أفعاله على شن الغارات الثأرية ضدها، مفضلة أن تضحي بفرد بدلًا من جماعات منها.

٣- وتخلع القبيلة كل من يلحق بها العار بأعماله اللا أخلاقية المشينة، التي تعتبرها لوثة في جبينها.

يذاع الخلع بطرق عديدة في المواسم والأسواق، بالمناداة أو الكتابة. كان الرجل يأتي بابنه إلى الموسم ويقول: "ألا إني قد خلعت ابني هذا فإن جُرَّ "أي أُخذ بجريرة" لم أضمن, وإن جُرَّ عليه -أي: قُتل- لم أطلب"١ فلا يؤخذ الأب بجرائر ابنه الخليع, ومن وقتها تصبح قبيلته في حل من أعماله، وتسقط حقوقه عليها، ويحرم عليه البقاء فيها، فيذهب ملتجئًا إلى غيرها. وأما إذا كانت شروره ومآثمه كثيرة فنادرا ما يلقي مجيرا، ويصبح الأمر خطيرًا بالنسبة إليه؛ إذ يجد نفسه في موقف حرج ووضع شاذ٢.

وقد يتكتل الخلعاء فيؤلفون عصابة تقطع الطرق وتعيث في الأرض فسادًا, تسلب وتنهب وتلقي الرعب في النفوس، وقد شاعت تسمية هؤلاء باسم "الصعاليك".

وقد اشتهر معظم الخلعاء، ويطلق عليهم أيضا اسم "ذؤبان العرب" بضروب من الشجاعة والإقدام وعدم المبالاة بالحياة بحيث كان بعض الرؤساء والزعماء يستخدمونهم للفتك بخصومهم. وقد انضم قسم منهم إلى امرئ القيس الشاعر الكندي عندما نهض مع قبيلة بكر للأخذ بثأر أبيه من قبيلة أسد.


١ الألوسي: ٣/ ٢٧.
٢ أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص٣١-٣٦.

<<  <   >  >>