للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طوافه حول الكعبة، ودخل أحد دور بني سهم، فهاجت الجن وقتلت كثيرًا من بني سهم ثأرًا لقتيلها، فهب بنو سهم وحلفاؤهم ومواليهم وعبيدهم وقصدوا الجبال والشعاب، فلم يتركوا حية ولا عقربًا ولا خنفساء ولا دابة من شأن الجن أن تتجسد فيها إلا قتلوها، حتى اضطرت الجن إلى التوسط لدى قريش؛ لإنهاء النزاع بينها وبين سهم التي قتلت من الجن أضعاف ما قتله الجن منها، فنجحت الوساطة وانتهى النزاع بين الطرفين١.

ومما اعتقد الجاهليون به، أن الجن قد تسرق الأطفال والرجال والنساء، وينسبون إلى الجن في الغالب فقدان الأشخاص في البوادي. وقد يتعرض الجن لبعضهم فيقتلونه عمدًا كالذي اشتهر عن تعرض من يدعي "شِقّ" من الجن لعلقمة بن صفوان جد مروان بن الحكم وإرغامه على المبارزة، فضرب كل منهما الآخر في لمحة بصر واحدة، فخرا ميتيْنِ. كما يروى أن حرب بن أمية وغيره من الأشخاص المعروفين قد قتلهم الجن٢.

وكما أن الجن تلحق الأذى بالإنس، فإن منها من تسدي لهم الجميل من الفعال؛ لأن من الجن من هو طيب النفس مفيد ونافع، وإن كانوا قلة. من ذلك ما يروى عن الشاعر عبيد بن الأبرص أنه رأى حية فسقاها، فلما ضل له جمل وتاه ناداه هاتف بصوت مسموع، يشير إلى الموضع الذي ذهب إليه الجمل. فذهب عبيد إلى المكان فوجد جمله، وكان الهاتف صوت الحية التي تمثل فيها الجن.

وينسب الجاهليون للجن كثيرًا من المصائب التي تصيب البشر مثل الأمراض والأوبئة والجنون بخاصة, وبين الجن والجِنَّة والجنون علاقة لفظية. ولتفادي هذه المصائب تجب مكافحة الجن وطردها بطرق مختلفة يقوم بها السحرة والكهان, ويستخدم الكاهن في ذلك الرقى والتعاويذ والعزائم لطرد الجن من جوفه. ومن الشائع لديهم أن لكل كاهن تابعًا من الجن "رئيًا" يستعين به, ويسترق له التابع الأخبار والأسرار من السماء، فيخبره بها فينقلها بدوره للسائلين٣.


١ جواد علي: ٥/ ٤٥.
٢ راجع عن ذلك: مروج الذهب، ٢/ ١٤٠-١٤١.
٣ ابن الكلبي: الأصنام، ص٥٤؛ عمر فروخ: تاريخ الفكر العربي ص١٦٧.

<<  <   >  >>