للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرجح كون شبه الجزيرة العربية هي الموطن الأصلي للعرق السامي، وأن الحضارات السامية الشمالية الرفيعة قد انبثقت عنها, باعتبار أن الشعوب السامية القاطنة في الهلال الخصيب قد نشأت فيها ثم هاجرت منها. وقد نشر هذا المستشرق كتابًا عالج فيه تاريخ الأديان وأبدى فيه رأيًّا يقول: "إن الدين العربي القديم١ هو الخطوة السابقة للدين البابلي الآشوري المعقد، وأنه كان تمهيدًا للتطور التاريخي للدين العبري اليهودي". ويشير "دتلف نلسن" إلى أن النزاع بين مختلف النزعات الدينية السامية قد تطور أخيرًا إلى الثالوث الإلهي "أب، ابن, وروح"، ومن ثَمَّ خطا خطوة أخرى إلى التوحيد المسيحي في صورته القديمة التي نعرفها في الحضارة العربية القديمة٢.

وبناء على النظرية الأخيرة اتفقت آراء كثير من المستشرقين على أن مجموعات الشعوب السامية المنتشرة في أنحاء الشرق القديم المختلفة، من بلاد الشام إلى بلاد الرافدين، قد نشأت عن هجرات متتالية انطلقت من شبه الجزيرة العربية في أزمنة مختلفة، وفي فترات دورية منتظمة، يفصل بين كل هجرة وأخرى نحو ألف سنة أو أقل. ففي كل مرة يزداد فيها سكان البلاد، وتقل فيها موارد الأرض عن حاجتهم الغذائية، تنزح عنها موجة بشرية وتتجه إلى جهات أخرى يتوفر فيها الخير بحثًا عن الغذاء ورغد العيش.

وهكذا حدثت أول هجرة للساميين في الألف الرابعة قبل الميلاد سالكة طريق الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، منطلقة نحو الشمال إلى سيناء فوادي النيل حيث امتزج أفرادها بالعرق الحامي، فتكون بذلك الشعب المصري القديم كما يقول "بارتون" بدليل أن الباحثين قد وجدوا في لغة الشعب المصري في أول تكوينها خليطًا من كلمات سامية وأخرى حامية إذا صحت التسميتان.

وفي الفترة نفسها, أي حوالي منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد, حصلت هجرة الأكاديين إلى بلاد الرافدين عن طريق بلاد الشام، وألفوا هناك الدولة الأكادية التي وحدت العراق، وسيطرت على جميع أرجائه حتى أعالي نهر الدجلة. وقد حل الساميون


١ يقصد بتلك الديانة ما ذكره في كتابه عن التاريخ العربي القديم من أن عرب الجنوب كانوا يعبدون آلهة عديد من بينها ثالوث إلهي مؤلف من القمر والشمس والزهرة، كأسرة إلهية مقدسة مكونة من أب وزوجة وابن.
٢ دتلف نلسن، فرتز هومل ... : التاريخ العربي القديم، ص٥٣.

<<  <   >  >>