أقدم من الأولى التي يرجع ظهورها إلى ٥٠٠ ق. م وسقوطها إلى سنة ٢٤ ق. م, أو ٥٠م١. وليس للباحث إلا أن يقف حائرًا بين هذه الآراء المختلفة التي لا يستطاع اعتماد أي منها قبل أن تكشف التنقيبات عن أدلة علمية ثابتة.
لم يذكر المؤرخون والأخباريون العرب القدماء شيئًا عن هذه الدولة، اللهم إلا قولهم بأن معين هو محفد من محافد اليمن وحصن ومدينة، مما يدل على أنهم كانوا يجهلون كونها دولة عربية قديمة. غير أن الآثار التي اكتشفت حديثًا في أرض اليمن قد ألقت بعض الضوء على قبس من تاريخها القديم. ويعود الفضل في اكتشاف آثار عاصمتها معين إلى المستشرق الفرنسي "هاليفي" الذي قرأ اسمها المحفور بالخط المسند على النقوش التي عثر عليها في أنقاضها. كما اكتشف في القرب منها أنقاض مدينتين أخريين وهما يثيل "براقش اليوم" ونشق "البيضاء اليوم"، فتوجهت الأنظار إلى تقصي تاريخ هذه الدولة. وقد تبين أنها ازدهرت في منطقة الجوف، وهي المنطقة السهلية الواقعة بين نجران وحضرموت في الهضبة اليمنية الشرقية. وبعد أن كانت مدينة "معين" الواقعة إلى الشمال الشرقي من صنعاء الحالية، عاصمة سياسية لها، انتقل مركز المملكة إلى مدينة قرنا أو "قرناو" في أواخر عهد الدولة، بينما كانت يثيل عاصمتها الدينية.
إن ما ساعد على نشوء الحضارة المعينية خصب أرضها ورطوبة مناخها، وتلقيها من الغيث ما يشكل أحيانا سيولًا تجري في وديانها مثل وادي خريد الذي يتجه إلى الداخل، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي على طريق الهند، ذلك الذي جعل منها بلدا تجاريا نشيطا دون أن تفقد الصفة الزراعية، كما كان بعض سكانها البدو، قد ثابروا على متابعة حياة الرعي والتنقل. هذه المزايا المتنوعة جعلت منها بلدًا غنيًّا بالمحاصيل التي تشكل مادة تجارية صالحة للتصدير مثل: الطيب والمر والبخور والعطور، فقد كانت بلادا كثيرة الغابات والأغراس، كما يقول المؤرخ "بلينيوس". كما كانت البضائع من أقمشة وسيوف وذهب وحرير وريش نعام مستوردة من الهند والصين تتكدس فيها، فتقوم بدور الوسيط التجاري بنقلها إلى الشمال وإلى الغرب عبر باب المندب، وقد احتكرت مقاليد التجارة بين الهند وحوض البحر المتوسط لمدة طويلة. وعلى رأي بعض المؤرخين أن الدولة قد