أحدها: أنه لا واسطة بينهما أيضا، ولكن صدق الخبر مطابقته للخارج، مع اعتقاد المخبر ذلك، فإن لم تكن فكاذب، فدخل فى الكذب ما كان غير مطابق، والمتكلم يعتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق، وهو يعتقد المطابقة أو غير مطابق وهو لا يعتقد شيئا، أو مطابقا وهو يعتقد عدم المطابقة، أو مطابقا وهو لا يعتقد لشك، أو غيره، وهذا القول هو الذى أراد ابن الحاجب بقوله. وقيل: إن كان معتقدا فصدق، وإلا فكذب، على ما فهم الشراح كلهم، وإن كان ظاهر عبارته فيه لا يقتضى اشتراط المطابقة.
الثانى: أن الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر، ولو كان خطأ، أى ولو كان غير مطابق لما فى الخارج، وكذبه عدمها ولو صوابا، وهذه العبارة ظاهرة فى أنه لا واسطة بينهما أيضا؛ لأنه يدخل فى قوله: عدمها الخبر الذى لا اعتقاد معه، أو معه اعتقاد العدم. وكلام المصنف فى الإيضاح أظهر فى عدم الواسطة على هذا القول، وعلى هذا الخبر الشاك كذب، ولم أر من صرح بهذا القول غير المصنف، وهو ظاهر عبارة ابن الحاجب؛ غير أن الشراح حملوه على غيرها كما سبق.
الثالث: - وهو الذى نسبه المصنف للجاحظ - وقوله: الجاحظ أى قال الجاحظ: إن صدق الخبر مطابقته؛ أى للخارج، مع اعتقاد مطابقته وعدمها، أى: وكذبه عدم مطابقته، مع اعتقاد المخبر عدم مطابقته، وعبارة المصنف لا تعطى ذلك، بل تخالفه؛ لأنه قال: وعدمها معه، وظاهره أنه عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، وليس هذا المراد؛ بل المراد مع اعتقاد ذلك، وهو عدم المطابقة.
قال: وغيرهما ليس صدقا ولا كذبا، فدخل فيه ما إذا كان مطابقا وهو غير معتقد لشئ أو مطابقا وهو يعتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق وهو يعتقد المطابقة، أو غير مطابق ولا يعتقد شيئا، فالأربعة لا صدق ولا كذب.
الرابع: أن الصدق المطابقة للخارج والاعتقاد معا، فإن فقدا لم يكن صدقا فقط؛ بل قد لا يكون صدقا، وقد يوصف بالصدق والكذب بنظرين مختلفين، إذا كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد، مثل قول الكفار: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (١) قاله الراغب.