للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وردّ: بأن المعنى: لكاذبون فى الشهادة، أو فى تسميتها، أو فى المشهود به فى زعمهم.

ــ

الخامس: وهو الذى قدمه المصنف - وهو الصحيح وعليه الجمهور - أن الصدق المطابقة للخارج، سواء كان معتقدا أم لا، والكذب عدمها، وقد علم من هذه الأقوال أن قولنا: الخبر إما صدق أو كذب منفصلة حقيقة على قول، ومانعة الخلو فقط على قول، ومانعة الجمع فقط على قول، وقد أهمل المصنف دليل المختار لكثرة أدلته؛ فمنها الإجماع على أن من قال: محمد ليس بنبى كاذب، ومن قال: الإسلام حق صادق، وبقول النبى لأبى سفيان:" كذب سعد" (١) حين قال سعد لأبى سفيان:

اليوم تستحل الكعبة، وقول ابن عباس:" كذب نوف" (٢) حين قال نوف البكالى:

ليس صاحب الخضر موسى بنى إسرائيل.

(قلت): وفيه رد على من جعل الصدق تابعا للاعتقاد فقط أولهما، وبقول بينهما واسطة، ولا رد فيه على من جعله تابعا لهما معا، ويدل له أيضا قوله صلّى الله عليه وسلّم:" من كذب علىّ متعمدا" (٣) لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمد وغيره، وقد استنبطت من القرآن الكريم دليلا أصرح من الجميع، وهو قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٤) وقد ذكر المصنف شبهة القائل بأن العبرة بالاعتقاد فقط، ولا نظر إلى المطابقة الخارجية، وهو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (٥) فلو كانت العبرة بالمطابقة لكانوا صادقين؛ لأنهم يشهدون أنه رسول الله.

قال: ورد بثلاثة أمور:

أحدها: أن المعنى: لكاذبون فى الشهادة؛ لأنها تتضمن التصديق بالقلب، فهى إخبار عن اعتقادهم، وهو غير موجود، فهو تكذيب لقولهم: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (٦) بالنسبة إلى ما تضمنه الاعتقاد القلبى، وعلم من تصديرهم بالجملة الاسمية، ومن تصديرها بلفظ الشهادة، ومن التأكيد بإن واللام.


(١) أخرجه البخارى فى" المغازى"، (٧/ ٥٩٧ - ٥٩٨)، (ح ٤٢٨٠).
(٢) أخرجه البخارى فى" التفسير"، (٨/ ٢٦٣ - ٢٦٤)، (ح ٤٧٢٦)، ومسلم (ح ٢٣٨٠).
(٣) أخرجه البخارى فى" أحاديث الأنبياء"، (٦/ ٥٧٢)، (ح ٣٤٦١).
(٤) سورة النحل: ٣٩.
(٥)،
(٦) سورة المنافقون: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>