للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاحظ (١) مطابقته مع الاعتقاد، وعدمها معه (٢)، وغيرهما (٣) ليس بصدق ولا كذب؛ بدليل: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (٤)؛ لأن المراد بالثانى غير الكذب؛ لأنه قسيمه، وغير الصدق؛ لأنهم لم يعتقدوه خ خ:

وردّ: بأنّ المعنى: أم لم يفتر؟! خ خ؛ فعبّر عنه ب الجنّة خ خ؛ لأنّ المجنون لا افتراء له.

ــ

الثانى: أنه عائد إلى تسمية ذلك شهادة؛ لأن الإخبار إذا خلا عن المواطأة لم يكن ذلك حقيقة، وهذا الجواب مخالف للأول فى الصورة لا فى المعنى؛ لأنه يرجع إلى التكذيب فى ادعاء مواطأة القلب اللسان المدلول عليها بنشهد، والأول يرجع إلى مواطأة القلب اللسان المدلول عليها بالجملة الاسمية وإن واللام. فإن قلت: إذا كان ذلك بالنسبة إلى التسمية فقد تجوزوا بقولهم نشهد، والمجاز ليس بكذب! قلت:

إنما يكون مجازا حيث قصد إطلاق الشهادة على القول، وهم لم يطلقوا ذلك؛ إنما أرادوا حقيقة الشهادة على سبيل الكذب.

الثالث: أن الكذب بالنسبة إلى زعمهم - أى هذا الخبر - وإن كان صادقا لكنه عندهم كاذب، ويخدش فى هذا أمران: أحدهما: أن فيه تجوزا لا يخفى. والثانى: أن المنافقين كانوا يعلمون نبوة النبى إنما ينكرونها بألسنتهم، وهذا وارد على الأوجه الثلاثة.

وإذا علم أن هذه الشبهة تصلح أن تكون من هذا القول، كما فعل المصنف، وأن تكون من القائل أن الصدق راجع إلى الاعتقاد والمطابقة معا، ولا واسطة بينهما، كما فعل ابن الحاجب، على ما نسبه إليه الشراح؛ وإن كان ظاهر عبارته وعبارة المصنف واحدا، ولا أدرى من أين للشارحين حمله على ما حملوه عليه.

وقوله: (فى زعمهم) أى اعتقادهم الفاسد، والزعم فى الغالب قول قام الدليل على بطلانه، أو لم يقم الدليل عليه، وسيأتى تحقيق معناه فى باب الفصل والوصل.

وذكر المصنف شبهة الجاحظ وهى قوله تعالى: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ فإنهم حصروا دعوى النبى الرسالة فى الافتراء والإخبار حال الجنون، بمعنى


(١) أى: قال الجاحظ.
(٢) أى مع اعتقاد أنه غير مطابق.
(٣) أى غير هذين القسمين.
(٤) سورة سبأ: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>