(زيد ضرب عمرا) لم يحكم فيه بالضرب فقط، بل بضرب على عمرو، حتى لو كان إنما ضرب بكرا كان الخبر كذبا، وإن كان الخبر وهو ضرب زيد صدقا، وكذلك الحال فى نحو:(جاء زيد راكبا) وسيأتى الكلام عليه فى كونه خبرا مقيدا، لا خبرين، وذلك لا ينافى ما قلناه.
وكذلك الظرف والمفعول من أجله، فقولك:(ضربته تأديبا) فى معنى خبرين، قال الزمخشرى. فى قوله تعالى: وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١) إذا لم تجعل اللام زائدة الأمر بالإخلاص والأمر به لكذا شيئان، وإذا اختلفت جهة
الشئ وصفاته ينزل منزلة شيئين، فعلم بهذه القاعدة أن ما ذكروه إنما يأتى فى نحو الصفات، فى نحو:(زيد بن عمرو جاء) ونحو: (زيد العالم جاء) وسيأتى تحقيق ذلك عند الكلام على الحال فى آخر باب الفصل والوصل.
الرابعة: الإسناد هو الحكم، وهو نسبة أمر إلى أمر بالإثبات أو النفى والمسند إليه المحكوم عليه وهو المسمى عند النحويين مبتدأ، وعند المنطقيين موضوعا وأصغر والمسند المحكوم به وهو المسمى عند النحاة خبرا، وعند المنطقيين محمولا وأكبر.
إذا تقررت هذه القواعد عدنا إلى كلام المصنف فقال: لا شك أن قصد المخبر بخبره أحد أمرين إما الحكم، ويعنى به النسبة المحكوم بها من إطلاق المصدر على المفعول مجازا، بدليل قوله، أو كونه عالما به ولتمثيله بعد ذلك فى لازم الخبر، ولو أراد حقيقة حكم المتكلم لاستحال انقسامه إلى ما المخاطب عالم به، أو جاهل. وهذا الذى ذكرناه من أن المراد بالحكم المحكوم به هو مقتضى عبارة الإيضاح أيضا، ومقتضى عبارة السكاكى هنا؛ لكنه قال عند الكلام على الحالة التى تقتضى تعريف المسند إليه ما يقتضى إرادة نفس الحكم حيث قال: فائدة الخبر هو الحكم أو لازمه كما عرفت، وعلم المتكلم ليس هو لازم النسبة المحكوم بها، بل لازم الحكم الذى هو المصدر. وفى شرح الخطيبى هنا، وفى الكلام على المفتاح كلام غير محرر فليتأمل. ثم ما ذكره المصنف غير ماش على ما ذكره الإمام من أن مدلول الخبر الحكم بالنسبة؛ لأنه جعل فائدة الخبر هو ثبوت النسبة، وقد يمكن تأويله عليه بأن يقال: إن الفائدة غير المدلول فمدلول الخبر الحكم بالنسبة، وفائدة ذلك اعتقاد ثبوتها، فالمتكلم يقصد بحكمه أن يعتقد وجدان النسبة التى حكم بها،