وقال المصنف: إن هذا يسمى فائدة الخبر، كقولك لمن لا يعلم قيام زيد:(زيد قام).
ففائدة الخبر تحصيل العلم للمخاطب بقيامه، ومن هنا يعلم أن المراد بالحكم المستفاد هو ما تضمنه المحمول، لا ما يستفاد من تعلقات الموضوع وتعلقات المحمول كما تقدم.
والأمر الثانى: هو ما يسمى لازم فائدة الخبر، وهو ما يستفاد منه كون المخبر عالما بالحكم، كقولك لمن زيد عنده ولا يعلم أنك تعلم ذلك:(زيد عندك) وسمى لازما لأنه يلزم من استفادة الجاهل الحكم من الخبر أن يستفيد علم المخبر به.
قال السكاكى: والأولى بدون هذه تمتنع، وهذه بدون الأولى لا تمتنع. وبيانه أن العلم بالحكم من الخبر يلزم منه العلم بعلم المخبر به، فمن وجد الملزوم - وهو استفادة الحكم من الخبر - وجد اللازم وهو استفادة علم المخبر به؛ لأنه يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومتى وجد اللازم وهو علم المخاطب بعلم المخبر لا يلزم وجود الملزوم، وهو استفادة المخاطب الحكم، كما إذا كان المخاطب عالما به.
واعلم أن التلازم إنما هو بين العلم بالحكم والعلم بعلم المخبر، أما الحكم وعلم المخبر أعنى به مجرد الاعتقاد فلا تلازم بينهما وهو واضح وكذلك قصد إفادة الحكم وقصد العلم بعلم المخبر فلا تلازم بينهما، بل لمانع أن يمنع ويقول: لا يلزم من استفادة العلم بالحكم استحضار علم المتكلم به، وإن كان لازما فى نفس الأمر وإنما علم المتكلم لازم بإخباره لا لعلم المخاطب بذلك، بل لقائل أن يقول: قد يخبر الإنسان بالشئ خبرا محصلا للعلم ولا يكون معتقدا صحة ما أخبر به بأن ينصب معه دليلا يقتضى صحة ما أخبر به، وهو لا يعتقد صحته. فإن قلت: هذا التقسيم إنما هو للخبر الصادق، قلت:
بل والكاذب، لأن قصد الإعلام موجود فيه - سنتكلم عليه - فإن قلت: إنما يقصد فى الكاذب اعتقاد الحكم على غير ما هو عليه، وذلك جهل! قلت: السؤال صحيح، ولكنهم سموه علما على ما يتوقعه المتكلم من اعتقاد المخاطب، ثم الظاهر أن مرادهم بالعلم ما هو أعم من الظن؛ وإلا ورد عليه أن غالب الأخبار إنما يقصد بها الظن. وفى الإيضاح تعقيد فى هذا المحل لا حاجة إليه، وهو كلام صحيح فى نفسه.