للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه) قال السكاكى: وإن شئت فعليك بكلام رب العزة سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١) كيف نجد صدره يصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد القسمى، وآخره ينفيه عنهم، حيث لم يعملوا بعلمهم. ونظيره فى النفى والإثبات: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ (٢) وقوله: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ (٣).

قال فى الإيضاح: وفيه إيهام أن الآية الأولى من أمثلة تنزيل العالم بفائدة الخبر ولازم فائدته منزلة الجاهل بهما، وليست منها، بل هى من أمثلة تنزيل العالم بالشئ منزلة الجاهل به. (قلت): ويمكن جوابه بأن يقال: هذا تمثيل تنزيل العالم منزلة الجاهل مطلقا؛ لتعديه إلى ما نحن فيه، لأن ما نحن فيه فرد من أفراد ذلك، وإذا نزل العالم بالشئ منزلة الجاهل به صح تنزيل العالم بهما منزلة الجاهل، ومما يدل لهذا تمثيله بقوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وليس فيه إلا تنزيل الموجود منزلة المعدوم، ويمكن أن يقال: هو مثال لما نحن فيه لأن قوله تعالى: لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ خبر لم يقصد به إعلام الكفار بمضمونه، ولا علمهم أن الله تعالى عالم به؛ لأنهم يعلمون الأمرين، أما الأول فلقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا، وأما الثانى فواضح. وإنما نزلوا منزلة الجاهل ورشح هذا التنزيل بقوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ * لكن يرد عليه أن الخطاب مع النبى، وقد يكون إنما علم علمهم من هذه الآية، فإن المخبر به فى (لمن اشتراه) هو أيضا علمهم لأن (علموا) معلقة عن الجملة؛ إلا أن يقال: لما كان الكلام يتعلق بهم فكان الخطاب معهم،

وعلى هذا التأويل الأخير يجب اجتناب لفظ الجاهل تأدبا، كما فعل السكاكى فى علم البديع.

(تنبيه) تمثيلهم بقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ فيه نظر؛ لأن المذكور من تعلقات فعل الشرط، لا يكون مخبرا بوقوعه، كالمذكور فى حيز النفى، فإذا قلت: (لا يفى زيد بأيمانه) لا يكون فيه إخبار بأن له أيمانا؛ لأنها سالبة محصلة، وكذلك إذا قلت: (إن نكثوا أيمانهم) ليس فيه إثبات أيمان لهم؛ لأن الفعل بعد إن غير محقق الوقوع،


(١) سورة البقرة: ١٠٢.
(٢) سورة الأنفال: ١٧.
(٣) سورة التوبة: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>