للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قدم له ما يلوح بالخبر فيستشرف له) أى يتطلع له، مأخوذ من المستشرف وهو الواقف بالشرف، وهو المكان العالى، وقوله: ينزل غير السائل يقتضى أن الخبر الطلبى من شرطه السؤال، وليس كذلك، إلا أن يراد بالسؤال السؤال المعنوى الملازم فى المعنى للتردد والذى يلوح بالخبر هو كقوله تعالى: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا (١) فإنه يلوح بإهلاكهم، وفى عبارته تسامح؛ فإنه يلوح بأعم من الخبر، وحاصله أنه لما حصل التلويح بقوله تعالى: وَلا تُخاطِبْنِي صار الخطاب بقوله: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ طلبيا، فأكد، فإن قلت: التلويح هو تقديم ما يدل على الشئ والأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - لا يترددون فى خبر الله تعالى المدلول عليه بالتلويح! قلت: أجيب عنه بأن التلويح ليس دليلا، ولا بدليل يفهم أنه قد يكون المراد ذلك، وفيه بعد؛ لأن هذا تلويح قوى يقارب الصراحة، ولا يحسن الجواب بأن التردد فى أن ذلك مما يدعى بزواله فيزول، أو لا لأنا إذا جعلناه خبرا بهلاكهم فخبر الله لا يخلف - وعيدا كان أم غيره - على رأى جمهور أهل السنة، ومن عفى عنه من العصاة لم يدخل فى عموم الوعيد، ولا يحسن الجواب بأنه جوز أنهم يسلمون كذلك أيضا، فتعين أن يقال: (ولا تخاطبنى) دل على مطلق الإهلاك، فحصل التردد فى كيفيته، من إهلاك وغيره، فجاء الخطاب طلبيا. ومن ذلك: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (٢) وقول الشاعر:

فغنّها وهى لك الفداء ... إنّ غناء الإبل الحداء (٣)

ومنه بيت بشار:

بكّرا صاحبىّ قبل الهجير ... إنّ ذاك النّجاح فى التّبكير (٤)

وقد قال له خلف الأحمر: لو قلت: بكرا فالنجاح فى التبكير ثم رجع إليه وذلك بمحضر من أبى عمرو بن العلاء.


(١) سورة هود: ٣٧.
(٢) سورة يوسف: ٥٣.
(٣) الرجز بلا نسبة فى الإيضاح ص ٢٢، ودلائل الإعجاز ص ٢٧٣، ٣١٦، وجمهرة اللغة ص ٩٦٤، ١٠٤٧، والإشارات للجرجانى ص ٣١، والطراز
٢/ ٢٠٣.
(٤) البيت من الخفيف، لبشار فى ديوانه ٣/ ٢٠٣، ودلائل الإعجاز ص ٢٧٢، ٣١٦، ٣٢٣، والإشارات والتنبيهات للجرجانى ص ٣١، والأغانى ٣/ ١٨٥، والإيضاح ص ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>