للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(الوجه الثالث): أنّا رأيناهم كما جعلوا فى غير القسم النفى محتاجا إلى حرف، والإثبات غنيا عن الحرف عكسوا فى باب القسم؛ فلم يجيزوا إذا كان المقسم عليه مثبتا أن يخلو من حرف الإثبات، فلا يقولون: (والله زيد قائم) ولا (والله يقوم زيد) وهم يريدون الإثبات؛ بل لا بد من حرف الإثبات، وإذا كان المقسم عليه منفيا وهو فعل مستقبل جوزوا أن يكون بغير حرف، فقالوا: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (١) و (تالله يبقى على الأيام) و (تالله أبرح قائما) فنبهوا بصنعهم فى هذا الفصل ضد ما صنعوه فى عموم الأحوال على أن كل واحد من النفى والإثبات محتاج إلى علامة، وأنهم تارة يجعلون علامة هذا وجودية، وعلامة الآخر عدمية، وتارة يعكسون الأمر. وإلا فلو كان قولك: (زيد قائم)

دالا على الإثبات بنفسه إذا لم يكن قسم؛ فالقسم لا يزيده إلا تأكيدا، فلأى معنى اشترط فيه الإتيان بحرف الإثبات؟ ولو كان قولك: (يقوم زيد) فى غير القسم دالا على الإثبات بنفسه لكان إذا حذف حرف النفى فى باب القسم إثباتا؛ لكونه دالا بنفسه، وليس هناك ما يعارضه، ولا ما يمنع دلالته. فإن قلت: لا نسلم أنه ليس هناك ما يعارضه، فإن حرف النفى محذوف مراد، قلت: الأصل عدم الحذف، والتقدير.

(الوجه الرابع): أن قولك: (ضرب زيد) لو كان دالا على الإثبات بنفسه لكانت تلك الدلالة مستفادة من مفردية أو من أحدهما، أو من النسبة بينهما، أو من المجموع، وكل واحد منها موجود مع حرف النفى، وحرف الاستفهام، وهو غير دال على الإثبات معهما، فإن قلت: الحرف مانع من دلالته على الإثبات، قلت: لو كان الحرف مانعا لكان شرط الدلالة التجريد، وقد قدمنا فى الوجه الثانى أن كون التجريد علامة أولى من كونه شرطا، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.

التاسعة: قد يكون الخطاب ابتدائيا وطلبيا وإنكاريا، بأن تقول لمن لا يستحضر قيام زيد، ويتردد فى قيام عمرو، وينكر قيام بكر: (زيد وعمرو وبكر قائمون) فماذا تصنع ولم يبق إلا التغليب؟! والذى يظهر أن تعامل الجميع معاملة الإنكارى، فإن تأكيد الابتدائى لا بدع فيه، بخلاف ترك تأكيد الإنكارى، فإنه لا يجوز.


(١) سورة يوسف: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>