للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذريعة إلى محاسن الشريعة: أكثر الأسباب التى يحتاج الفعل فى وجوده إليها عشرة أشياء: فاعل يصدر عنه، كالنجار، وعنصر يعمل فيه، كالخشب، وعمل كالنجر، ومكان وزمان يعمل فيهما، وإلى آلة يعمل بها، كالمنجر، وإلى غرض قريب، كإيجاد النجار الباب، وإلى غرض بعيد، كتخصيص البيت به، وإلى مثال يعمل عليه، ويهتدى به، وإلى مرشد يرشده، وكل ذلك قد ينسب الفعل إليه فتقول: (أعطانى زيد) و (أعطانى الله) قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (١)، وقال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ (٢) فأسنده إلى الآمر، وإلى المباشر، وقال الشاعر:

وألبسنيه الهالكى

وقال:

كساهم محرق

فنسب الفعل لعاملها؛ وفى الثانى لمستعملها، وقيل: (يداك أو كتا) و (فوك نفخ) فنسب إلى الآلة كما يقال: (سيف قاطع) ويقال: (ضرب) فيصل فنسب إلى الحدث و (عيشة راضية) فنسب إلى المفعول، وقال تعالى: حَرَماً آمِناً (٣) فنسب إلى المكان وقيل: (يوم صائم) و (ليل ساهر) فلما كانت أفعالنا كذلك صح فى الفعل الواحد أن يثبت لأحد الأسباب مرة، وينتفى أخرى، بنظرين مختلفين، وعليه قول الشاعر:

أعطيت من لم تعطه ولو انقضى ... حسن اللّقاء حرمت من لم تحرم

فأثبت له الفعل، ونفاه بنظرين، وتقول: (هذا الخشب قطعته أنا لا السكين) و (قطعته السكين لا أنا).

واعلم أنه من أجل ما قدمناه قال قوم من المحصلين: لا شئ من الأفعال فاعله واحد على الحقيقة إلا الله تعالى؛ لاستغناء فعله عن الزمان، والمكان، والمادة، والآلة، وغيرها، ولهذا لا يصح أن ينسب الإبداع إلى غيره تعالى، لا حقيقة ولا مجازا اه.

وظاهر كلامه أن هذه الإطلاقات ونسبة الفعل لجميع ما سبق حقيقة، وهو وما سبق


(١) سورة الزمر: ٤٢.
(٢) سورة السجدة: ١١.
(٣) سورة القصص: ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>