للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولكن نسبة القيام إليه حقيقة، بمعنى أن العرب إنما وضعت (قام) لفعل العبد الواقع بخلق الله تعالى، فإن قلت: إذا كان الله تعالى هو الفاعل فالعبد غير فاعل حقيقة، قلت: الحقيقة تطلق على الأمر المحقق المقابل للعدم، وليس كلامنا فيه، وتطلق على ما هو محل الأوضاع اللغوية، وكلامنا فيه؛ فالعرب لم تلاحظ فى (قام زيد) غير نسبة القيام إليه، وإن كان الله تعالى خالقها ولذلك لا يصح سلبه عنه، فلا تقول: (ما قام زيد) بمعنى أن الله تعالى هو الفاعل. وأما قوله: حين حلف أنه لا يحمل قوما ثم حملهم:" ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم" (١) فهو نفى مجازى، مثل: وَما رَمَيْتَ (٢)، فإن قيل: فهل يصح نفيه عن الله تعالى، أعنى فعل العبد؟ قلت: أما شرعا فلا، وأما لغة فنعم، وكيف لا، وقد لاحظت العرب فى ذلك ما لا ينسب إلا إلى العبد من الحركات؟ بل لا يسوغ شرعا إسناد الفعل إلى الله - سبحانه وتعالى - إذا كان غير لائق، وإن كان خالقا له، كالقيام، والقعود منا، والأفعال المحرمة، وحاصله أن الإسناد الحقيقى أقسام:

الأول: ما يراد وقوعه من فاعله حقيقة، بمعنى التأثير، وذلك يختص بالله تعالى، كقولنا: (خلق الله) و (رزق الله).

الثانى: ما يراد وقوعه حكما، مثل: (قام زيد).

الثالث: ما يراد به مجرد الاتصاف، مثل: (مرض زيد)، وكل ما لا كسب فيه، مثل:

(برد الماء). وإذا اتضح ذلك فقد ظهر أن قول المصنف: (ما هو له) معناه له لغة، ومن الغريب أن ابن قتيبة قال فيما نقله عن ابن رشيق فى العمدة، وصاحب مواد البيان: لو كان المجاز كذبا لكان أكثر كلامنا باطلا؛ لأنا نقول: (نبت البقل) و (طالت الشجرة) و (أينعت الثمرة) و (أقام الجبل) و (رخص السعر) وكان الفعل فى وقت كذا، وهو لم يكن، وإنما يكون فيه. اه.

ولا يخفى ما فيه من النظر، إلا أن يريد بكون هذه الأمور مجازا أنه ليس فى واحد منها فعل محقق الوجود من فاعله، ومن الغريب أيضا أن الراغب قال فى كتاب


(١) أخرجه البخارى فى" الأيمان والنذور"، (١١/ ٥٢٥)، (ح ٦٦٢٣)، وفى غير موضع من صحيحه، ومسلم (ح ١٦٤٩).
(٢) سورة الأنفال: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>